المتابع لمجريات الأحداث الاخيرة، والمدقق في نهج السياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال تاريخها الحديث، يلحظ ان لها ارادة قوية في تنفيذ ما تريد تنفيذه، وأصبح لها شأن يختلف عما كان عليه قبل احداث سبتمبر، ولا عجب في ذلك، فالارادة تابعة للمقدرة، وهذه قاعدة معروفة لا تحتاج لاحد علماء (السيكولوجيا) كي يشرحها لنا، لكن رغم تلك الارادة القوية، الا انها لا تستمر حتى نهاية المشوار وبلوغ الهدف المنشود، وأعني هنا ان هناك ضغوطا قوية من الرأي العام الامريكي، وهي ضغوط قوية تسلب شيئا كبيرا من قوة تلك الارادة التي تتمتع بها الادارة الامريكية ، فعندما ينزعج الرأي العام الامريكي من مشروع من مشاريع حكومته الامريكية الخارجية، يقوم برفع تهديداته الصاعقة ضد المرشحين الرئاسيين، وغالبا ما تكون هذه التهديدات ذات ضجة مباغتة ومؤثرة في المسارات السياسية الامريكية، وفي الغالب تنجح في ثني الحكومة عن مشاريعها، فعندما يقول الرأي العام الامريكي : اما ان تكفوا عن هذه الخزعبلات والا لن ارشحكم للرئاسة القادمة، تتراجع تلك الارادة الامريكية القوية، وتصبح واهنة، ومن المعلوم ايضا ان الرأي العام الامريكي لا يمكن وصفه بالسذاجة، فهو رأي عام مستنير، وعلى قدر عال من المسئولية، ومستوى رفيع من الحساسية والانسانية والرزانة وسداد الرأي - هذا اذا استثنينا منه المتصهينين والحاقدين على الحضارات الاخرى دون سبب - وهذا بالطبع يؤثر في برامج المتنافسين على الرئاسة الامريكية، وبالذات الذين يسيل لعابهم على دخول البيت الابيض بأي طريقة كانت، مما يجعل اصحاب القرار يتراجعون عن سياساتهم الخارجية، والشواهد على ذلك كثيرة، وأهمها الحروب الامريكية عبر تاريخها، وقد عرف - حتى عند العامة - ان القائمين على البيت الابيض الامريكي هم اصحاب اياد طويلة في المجال العسكري، ولكنهم اصحاب نفس قصير في المجال السياسي، ولو تتبعت - عزيزي القارئ - تاريخ الحروب الامريكية، بدءا بالحروب الامريكية الاسبانية، والحرب الامريكية مع الفلبين، والحرب الكورية، والفيتنامية، والازمة مع ايران ، ولبنان ، وانتهاء بالصومال، لوجدت ان جميعها دون استثناء تشير الى صحة ذلك.. اي تشير الى ان ذراع امريكا العسكرية طويلة، بينما نفسها السياسي قصير، فهل ياترى ان ما ينطبق على جميع هذه الدول ربما ينطبق على العراق ؟ .. وهل لا يزال نفس امريكا قصيرا بالفعل؟
التاريخ اثبت ذلك، فهل يثبت لنا المستقبل العكس؟!