مضى زمن طويل ولا احد يستطيع ان يوقف ذلك المسار الذي يركض فيه الناس ويتعبون ويسقطون وينجحون ويختفون.. والايام على حالها لا تتعب ولا تتوقف ولا يبقى لنا منها الا بعض الذكريات الميتة التي اكلتها السنين وعندما تستيقظ بعض تلك الصور الغابرة من الماضي البعيد تصاب بعض السحن الجديدة بالذهول وتتصلب نظراتهم في ذهول وكأنما يستكثرون علينا حتى تلك الايام التي رحلت ولن تعود.
نحن لم نزاحم احدا على الحاضر فلماذا يحسدوننا حتى على تلك الايام الميتة في الماضي الذي اختارنا واخترناه بعيدا عن الزحام فنحن لانركض الى مواقع متقدمة ولا نقف في زحام الوجوه اللامعة ولا نبحث عن الصفوف الاولى ولا الثانية ولا نضع كتوفنا جنبا الى جنب مع اولئك المتسابقين والمتزاحمين وليس ذلك تواضعا ولا زهدا ولا جهلا ولكنه حرص ان يجد الناشئة اللاهثون مكانا لهم تحت الشمس فهذه ايامهم وقد ولت ايامنا ولنكن نكرة هذا الزمن ومن الخير ان تقف في آخر الصفوف ما دامت هامتك مرتفعة ولا تحجبها قامات الصغار..
لقد وقفنا طويلا في تلك القاعات المضيئة وكانت الايام تحتفل بمواقف الكبار وانتصاراتهم وانكساراتهم وكنا نلهث خلف الريح نتابع احداث الدنيا وكانت اشعة الشمس اللاهبة تحرق جباهنا ولكن الحقائق كانت اكثر سطوعا والناس اكثر تواضعا.. بالامس شاهدت وجها قديما من زملائنا تفحصني قليلا ثم هتف عبدالواحد الا زلت حيا ثم تعانقت ايامنا وسنين التعب لقد اصبح هو مليونيرا كبيرا وبقيت انا صحفيا متعبا ولكن وجوهنا لم تنكر بعضها برغم ان الدراهم تعمي!!
قال اريد ان تكتب لي ارقام تليفوناتك واريد ان اراك.. وكنت اعلم ان ارقامي لاتهمه في شيء وان ارقاما اخرى في البنوك تهمه اكثر قلت وماذا تفيدك ارقامي يا احمد؟ قال بل تهمني ووقف عند رأسي ينتظر وسمعت صوتا ساخرا يقول ان زميلك هذا يكتب الشيكات بالملايين فلماذا لاتعطيه ارقامك وغمزت احمد بعيني وقلت له انهم لايعرفونك جيدا فانت تقبض ولا تدفع!! ورد احمد بطريقته المرحة من اجل هذا "شوف انت فين وانا فين" قلت له هذا مطلع اغنية مغربية فهل وصلت الحانك ومستوطناتك الى هناك قال ضاحكا والى ابعد من هناك ياوجه الفقر.. قلت عندك حق.. اما حقنا فعند الله أجل وابقى ولا أزيد.