ما زلت اتذكر المخالفة المرورية التي نالها احد الاصدقاء في نهاية السبعينات، وتحديدا في البلاد التي كانت تسمى بالأنكل سام (!!) عند اقدامه وبعنجهية السواقة التي ابتلينا بها في بلادنا على تجاوز اشارة ممنوع الدوران ليتصدى له رجل دورية مرور (بالاسلوب الحضاري الذي يعرفه بعضنا او شاهدناه في افلام التليفزيون) ويحرر له قسيمة مخالفة واضحة في بنودها ومقنعة في اسبابها ومحددة بالوقت والمكان وظروف الطقس آنذاك تلافيا لأية اختراقات قد تؤخذ عليه فيما بعد من قبل السائق او محاميه قد تكلفه وظيفته، ايضا قسائم مخالفات الوقوف الخاطئ التي توضع على الماسحة والتي تضم جميع المخالفات التي قد تخطر على البال، والتي تتدرج رسومها البسيطة (جدا) وتتضاعف بحسب تكاسل صاحب المخالفة في تسديدها في مواعيدها المحددة خلافا لما هو معمول به عندنا.
مثل هذا التصرف والوضوح هو الذي ينقص بعض رجال المرور عندنا والذي يكفل حماية المؤسسة التي ينتمون اليها من أي لغط او تأويل خصوصا من المنظرين الذين لايعترفون بالتقصير او الخطأ فيعمدون الى تشويه الحقائق، او من اولئك اللحوحين الانتهازيين الذين يعمدون الى تعويم الامور بسؤال اهل الواسطات من النشامى الذين غالبا ما يتكاثرون مثل النمل الابيض اذا استدعى الامر تجاوز الانظمة والقانون (!).
حتى ادخل في صلب الموضوع، فمن يدقق في غالبية قسائم المخالفات المرورية عندنا (هذا اذا اتيحت له الفرصة اصلا) يحتاج الى الذهاب الى اقرب صيدلية لفك رموزها (الروشتية) كي يتعرف على الاسباب وراء المخالفة وهذا بافتراض انه مقتنع اصلا بارتكابها، حيث يلاحظ في الآونة الاخيرة تزايد الشكاوي الصحفية حول بعض المخالفات التي حررت لأفراد في اماكن لم يتواجدوا فيها بمن فيهم السيدات اللاتي لايحملن رخص قيادة اصلا (؟!).. كي لا اكون مبالغا في تقويلي على هذا الجهاز الهام والمسؤول عن سلامة الجميع يمكن مراجعة ما نشر في بعض الصحف المحلية مؤخرا وتحديدا الاقتصادية في عددها ليوم الاربعاء الماضي والتي اوردت شروع ادارة المرور ادخال تقنية خاصة في الحاسب الآلي للحد من تسجيل المخالفات المرورية على النساء وعاملات المنازل، وانني على يقين تام بأن عدد هذه الحالات لا يمثل الا قطرة من محيط واقع المخالفات المرورية التي يتم رصدها سنويا من قبل ادارات المرور والتي تتجاوز خمسة ملايين ونصف المليون مخالفة، الأمر الذي يعكس الجهد الحقيقي الذي يقوم به رجال المرور. قد لا نطالب ادارة المرور بشيء ليس في مقدورها بقدر ما نلح عليها توخي الحيطة والحذر عند مباشرة رجالها تحرير أي مخالفة ما بتوضيح ملابساتها السببية والوقتية والمكانية، والأهم من ذلك اخطار المخالفين كتابيا او هاتفيا بالمخالفة وحثهم على ضرورة المبادرة في تسديد رسومها المستحقة قانونا، بمعنى آخر، اعطاء الفرصة لمن حررت عليهم مخالفات مرروية للتثبت من صحتها واسبابها ودفع رسومها المستحقة (فعليا) بوقت كاف، والابتعاد كل البعد عن اسلوب المفاجآت في اماكن استصدار الأوراق الرسمية او المطارات وفرض الامر الواقع (التسديد ثم المفاصلة لاحقا).. للمعلومية، فقد عانيت الامرين في مخالفات ربما ارتكبت من قبل بعض المستخدمين لدي، اضطررت في احداها ولعامل الوقت لدفع مخالفة بأكثر من رسومها المستحقة لنفاد القسائم المعادلة للمخالفة، ولعل معاناتي لا تمثل شيئا بمعاناة احد المواطنين الذي فوجئ بمخالفة مرورية سجلت على خادمته اثناء اجراءات تسفيرها الى بلدها مما اضطره لتسديد المخالفة وتحمل المعاناة، وتشكر ادارة المرور على تفاعلها مع الحالة الاخيرة (لاحقا) بتحرير شيك بالمبلغ المدفوع.
هذا الاجراء انما يأتي متناغما مع ما وجه به صاحب السمو الملكي الامير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، صاحب القلب الكبير (المنادي بالشفافية في العديد من الأمور التي تشكل هاجسا للمواطنين والوافدين على حد سواء) عندما اصدر توجيهاته الكريمة قبل عدة سنوات بتشكيل لجان للنظر في تظلمات المخالفات المرورية بجميع ادارات المرور في المملكة والتي تعطي الحق لكل من يعيش على تراب هذا الوطن الغالي التظلم من أي مخالفة مرورية اصدرت بحقهم، ولكي نقطع الشك باليقين حول فعالية هذه اللجان اوالتقول عليها، فقد نظرت هيئة فصل المخالفات بادارة مرور الرياض وحدها ما يقارب من 2000 قضية تظلم في النصف الاول من العام الحالي 1424هـ وجد منها نسبة ضئيلة جدا لصالح رافع القضية، بينما السواد الاعظم منها غير صحيح. كفانا مفاجآت وتعقيبات لتبريرها، وكفانا تبليا وتهجما بغير وجه حق، خاصة على اولئك الذين كلفوا برعاية امننا وسلامتنا، ولنعمل جميعا وبما تمليه علينا ضمائرنا في وضوح تام ولو كان الحق علينا، كل بحسب موقعه وضمن اللوائح والأنظمة التي تكفل احترام حقوق الغير وسلامة الجميع.