أكد العماد أول مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري ان الغارة الإسرائيلية على سوريا هي تصدير لأزمة حكومة شارون وتعبر عن نزعة الشر والغطرسة التي تتملك عقول حكام تل أبيب. وأضاف نائب القائد العام للجيش السوري: أؤكد هنا أن لكل عدوان طريقة في الرد عليه، وتحديد هذه الطريقة مرتبط بطبيعة العدوان، وبزمان وقوعه ومكانه. وقد تحدث العماد طلاس لـ "اليوم" حول كثير من الشجون العربية وما تواجهه سوريا والعالم العربي من اتهامات صهيونية موغلة في العدوانية وتدمير أسس السلام في المنطقة . اليوم: كيف تنظرون إلى اختراق إسرائيل لاتفاقية الهدنة، وعدوانها على سوريا مؤخراً ؟
ـ العماد طلاس: العدوان الأخير على سوريا هو في الواقع قرصنة، ومحاولة لتصدير أزمة تعاني منها حكومة شارون، بسبب استمرار الانتفاضة وعمليات المقاومة الاستشهادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهذا العدوان يعبر عن نزعة الشر والغطرسة التي تتملك عقول حكام تل أبيب.
وإذا كانوا يتوقعون من ذلك أن سوريا يمكن أن تخضع بممارسة العدوان ضدها، وتغيِّر مواقفها الوطنية والقومية فهم واهمون، (وعلى الإسرائيليين ـ كما قال الرئيس بشار الأسد في القمة الإسلامية الأخيرة ـ أن يعرفوا أنه مهما كبرت قوتهم العسكرية فلن يفلحوا في تحقيق أهدافهم، ولن يتمكنوا من زرع الخوف في نفوسنا). هل يمكن أن ترد سوريا إذا كررت إسرائيل عدوانها ثانيةً ؟ ـ ومن قال إن سوريا لم ترد على عدوان إسرائيل الأخير ؟ وهل بالضرورة أن يكون الرد عسكرياً ؟!. إن الرد السياسي ـ أو ما نسميه (الهجوم السياسي) ـ قد يكون أشد تأثيراً على الطرف المعادي إذا أحسن استخدامه، وما فعلته سوريا ـ هذه المرّة أنها وجدت من الأنسب أن تعتمد الرد السياسي على العدوان الإسرائيلي الأخير، فكان أن نقلت المعركة الى أروقة هيئة دولية (هيئة الأمم المتحدة ومجلسها)، لتخرج بالمواجهة ضد العدو من مواجهة إقليمية إلى مواجهة دولية، وقد لاحظنا جميعاً أن دول العالم قاطبةً ـ باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية ـ شجبت العدوان على سوريا بشدة، واعتبرته منافياً للأعراف والقوانين الدولية. وهنا أود أن أؤكد أن لكل عدوان طريقة في الرد عليه، وتحديد هذه الطريقة مرتبط بطبيعة العدوان، وبزمان وقوعه ومكانه. بعد مضي ثلاثين عاماً على حرب تشرين.. كيف يتذكر العماد أول مصطفى طلاس تلك اللحظات ؟
ـ حقاً ثلاثون عاماً مضت على اندلاع حرب تشرين التحريرية المجيدة.. هذه الحرب التي أذهلت العالم بفعل ما أظهره المقاتل العربي من شجاعة وتفوق في جبهات القتال، ومن مهارة فائقة في استخدام السلاح الحديث..
والصور التي لاتزال ماثلة في أذهاننا عن حرب تشرين التحريرية لا يمكن الإحاطة بها في هذه العجالة، فهي كثيرة. ولكن يمكن أن أتوقف عند بعضها، إذ انني ما زلت أتذكر صورة القائد حافظ الأسد وهو يخاطب العالم في السادس من تشرين الأول عام /1973/م، في كلمته التي وجهها إلى أبطال تشرين عبر الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، قائلاً: لسنا هواة قتل وتدمير وإنما ندفع القتل والتدمير عن شعبنا.. كما أتذكر قوله : إننا اليوم نخوض معركة الشرف والعزة، دفاعاً عن أرضنا الغالية وعن تاريخنا المجيد، عن تراث الآباء والأجداد، نخوض المعركة بإيمان بالله وبأنفسنا، وبعزيمة صلبة وتصميم قاطع على أن يكون النصر حليفنا فيها.
وأتذكر أيضاً كيف دب الذعر في صفوف العدو، وأخذ أفراده يجرون أذيال الخيبة مدحورين على جبهات القتال السورية ـ المصرية، فسقطت بذلك جميع المسلمات التي كان يلقنها العدو لجنوده، مثل: قوة الجيش الذي لا يقهر، والوطن الموعود، والشعب المختار وما إلى ذلك، وهكذا فقد المستوطنون الصهاينة ثقتهم بحكامهم، وتكونت حالة ٌ من الشعور بخيبة الأمل، وتبددت الأحلام التي طالما تغنوا بها وعاشوا من أجلها. في السادس من تشرين التحرير تجمع الناس في ساحات المدن والقرى دون خوف أو وجل، وسارع الاحتياطيون إلى مراكزهم، واستنفر الشعب بكامله على نحو تلقائي ليس له مثيلٌ، تعبيراً عن الرغبة الدفينة في الصدور، وعن الشوق لتغيير واقع غريب في تاريخ الأمة العربية. هذه هي الصور التي لن ننساها أبداً، وهي باقيةٌ في عقولنا حيةً تنطق بالحقائق في كل زمان ومكان. وتملي علي الأمانة التاريخية أن أسجل هنا مهارة القائد حافظ الأسد في إدارة هذه الحرب، من حيث التنظيم والتنفيذ والمتابعة، ومن حيث التوجيه الدقيق الذي كان له كبير الأثر في رفع وتيرة الشعور بالمسؤولية الوطنية والقومية لدى مقاتلي جيشنا البواسل، وفي حفزهم إلى مزيد من الأعمال البطولية النوعية في ميادين القتال: براً و بحراً وجواً. حرب تشرين كانت ثمرة اجتماع العرب.. كيف تنظر إلى الواقع العربي الراهن؟
ـ بالفعل كان لحرب تشرين التحريرية المجيدة آثارها الإيجابية في الواقع العربي، لو لم تحدث لما اجتمعت كلمة العرب، ولا توحدت رؤيتهم وأفكارهم بضرورة تقديم الدعم المادي والمعنـوي لكل ما من شأنه إعادة الحقوق العربية المغتصبة، وتحرير الأرض العربية المحتلة..، فظهر التضامن العربي في حرب تشرين فعالاً ومؤثراً في الواقع، وشكل عامل ضغط كبيرا في الساحة الدولية لمصلحة العرب وقضيتهم المركزية "فلسطين"، لاسيما عندما استُخدم سلاح النفط ـ ولأول مرة في تلك الحرب، مما أثار الخوف والرعب في الغرب نظراً لما قد يحدث لبلدانهم ولشعوبهم من جراء انقطاع البترول عنهم. أما اليوم، وأمتنا العربية تشهد إقامة التكتلات السياسية والاقتصادية على الساحة الدولية، فما علينا إلا أن نبني حاضرنا للنهوض بشعبنا العربي على أساس الوحدة والتضامن، لأنهما الأساس الراسخ للانطلاق نحو الغد الأفضل لأمتنا العربية. فالواقع الراهن الذي تعيشه الأمة وتعاني منه لن يدوم، لأن المواطن العربي على امتداد الوطن العربي لن يقبل بالسكينة والاستسلام، ويأبى الضيم والهزيمة، وسيبني قوته الذاتية التي ستؤمن له النصر النهائي عاجلاً أو آجلاً. كيف تنظرون إلى العلاقات بين المملكة العربية السعودية وسوريا، ومدى التنسيق بين البلدين؟
ـ تتسم العلاقات بين المملكة العربية السعودية وسوريا بأنها علاقات متميزة، وهي تشهد تنسيقاً دائماً ومستمراً وعلى مختلف المستويات، ولاسيما في هذه المرحلة بالذات التي تتعرض فيها منطقتنا إلى محاولة تمرير مخطط استعماري صهيوني حاقد يستهدف ليس السيطرة على منابع الثروة فيها فحسب، وإنما نسف مرتكزاتها الحضارية، وتغيير تراثها وثقافاتها، وتوجهات أبنائها : الفكرية والعقائدية، وهو ما تنبهت إليه القيادتان في البلدين الشقيقين منذ البداية، وتحركتا معاً إلى مواجهته والحيلولة دون تحقيقه بالتعاون والتنسيق مع بقية الأقطار العربية الشقيقة. زُرتم والملك فهد ـ عندما كان وزيراً ـ منطقة الجبهة السورية.. ما تقييمكم لمشاركة القوات السعودية في تلك الحرب؟
ـ أستطيع القول : إنه على أرض الشام وتراب الجولان الطاهر امتزج الدم العربي، فجسد ذلك وحدةً حقيقية للمقاتلين العرب من أجل استرجاع الحقوق وتحرير الأرض، وكان لمشاركة مقاتلين أشاوس من الجيش العربي السعودي الشقيق في حرب تشرين التحريرية المجيدة موقف عزةٍ وشموخٍ..، تفخر الأمة العربية بأدائهم وجرأتهم وهم يتصدون جنباً إلى جنب مع اخوانهم في الجيش العربي السوري لقوى البغي والعدوان الصهيوني الجاثم على أرضنا الطاهرة. لقد قام القائد حافظ الأسد بتقليد الأوسمة الرفيعة للضباط السعوديين وصف الضباط والجنود ممن شاركوا في حرب تشرين التحرير، وذلك تقديراً لهم، واعتزازاً بمواقفهم المعبرة عن البطولة والفداء.. إننا لن ننسى دورهم المشرف في حرب تشرين التحريرية، كما لن ننسى موقف المملكة العربية السعودية الشقيقة المشرف من أجل قضية الأمة العربية ـ قضية فلسطين، وسعيها الدائم للدفاع عن العرب في جميع المحافل، ولجمع شملهم وتوحيد كلمتهم، ليكونوا قوةً قادرةً على إحباط المخططات المعادية، ومنعها من تحقيق أغراضها العدوانية الشريرة. تتعرض المملكة العربية السعودية لاتهامات ظالمة، لعل آخرها ما نشرته صحيفة الغارديان البريطانية حول سعي المملكة للحصول على أسلحة نووية. باعتقادكم من يقف وراء هذه الحملة، وما الغرض منها؟
ـ لقد كان من أبرز نتائج أحداث الحادي عشر من أيلول عام "2001" م تزايد الفجوة وانعدام الثقة بين العرب والغرب، وبخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها بريطانيا، بسبب موقفها المعادي للعرب ولقضاياهم، والذي تجلى في دعمها المفرط لإسرائيل.
وبالطبع أن هذا الاتساع في فجوة انعدام الثقة قدم خدمة لقادة اليمين الأمريكي الذين وجدوا في اللوبي الصهيوني أفضل حليف لهم في ايجاد حالة مناهضة للعرب، وتبني مقولات القوة، والتأكيد على إرسائها معياراً للعلاقات الدولية، واللجوء إلى الحرب الإستباقية منهجاً لتنفيذ الطموحات والأهداف السياسية بذرائع واهية من مثل: محاربة الإرهاب ونشر قيم الديمقراطية.
ولقد كثر الحديث مؤخراً حول خطورة انتشار أسلحة الدمار الشامل، وبدأت في الولايات المتحدة موجة اتهام بعض البلدان بامتلاك هذه الأسلحة، ومن المؤسف حقاً أن تتركز الاتهامات الباطلة على دول عربية وإسلامية مثل سوريا وإيران، مع تجاهل متعمدٍ لما تمتلكه إسرائيل من ترسانة أسلحة دمار شامل : نووية وكيماوية وبيولوجية. وهذه الاتهامات التي يقف خلفها اللوبي الصهيوني في العالم ما هي إلا حلقة من حلقات الضغط على العرب والشعوب الإسلامية لتحقيق المصالح الأمريكية والإسرائيلية من جهة، والإبقاء على العرب والمسلمين قوة ضعيفة ممزقة لا تقوى على النهوض ومواكبة الحضارة الإنسانية من جهة ثانية. كيف تنظرون إلى وجود القوات الأمريكية على الحدود السورية ـ العراقية، خصوصاً وأن اشتباكاً محدوداً حصل بين وحدة من هذه القوات ودورية من حرس الحدود السورية ؟
ـ نحن قلنا رأينا بوجود القوات الأمريكية في العراق، وأكدنا أنها قوة احتلال، وإننا ننظر إليها من هذه الزاوية.
أما أن تكون على حدودنا فهذا يعني أن نتخذ تدابير الحيطة والحذر بأشكالها المختلفة، لمنع أي خرقٍ أمني على هذه الحدود الطويلة من أي طرف كان، انطلاقاً من مواقفنا المبدئية، ورفض فكرة الحرب التي لم تلق أي تأييد دولي، والتي وقعت على الرغم من معارضة المجتمع الدولي لها.
إننا نشعر بقلق من وجود هذه القوات على حدودنا، وقلقنا الأكبر من نتائج هذه الحرب على شعب المنطقة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتاريخياً، وهو ما أشار إليه السيد الرئيس بشار الأسد في رده على مراسل صحيفة (كورييرا دي لاسيرا) الإيطالية، عندما قال: إذا كنا نشعر بالقلق فإن قلقنا هو أكثر من نتائج الحرب، وهي الأخطر، إذ إن القضية ليست فقط القيام بغزو عسكري لبلدٍ ما، ولكن كيفية التأثير على البلد : سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتاريخياً، وقد كانت للحرب على العراق كل هذه التأثيرات السلبية .
ومن هذا المنطلق فإن وجود القوات الأمريكية على حدودنا هو أحد التأثيرات السلبية للعدوان على العراق. بعد الاحتلال الأمريكي للعراق هل تتوقعون تغييراً للخارطة السياسية في الشرق الأوسط؟
ـ قبل الإجابة عن هذا السؤال يجب أن نضع في الحسبان أن الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في أن تحكم العالم بحسب رغباتها وأهوائها، وهذا بالطبع يأتي تحت عنوان أمريكي بالخط العريض (مكافحة الإرهاب). بالتأكيد أن خريطة المنطقة صعبة التغيير على الأمريكيين، لأنهم مرفوضون أساساً، على الرغم من التسهيلات التي قُدّمت لهم من بعض دول المنطقة. والواقع على الأرض يثبت أن السياسة الأمريكية قد منيت بفشل ذريع في العراق، فقد كان السلام رهاناً أصعب بكثير من كسب الحرب، لذلك يتعين على الولايات المتحدة تغيير سياستها المتبعة، وغني عن القول إن العراقيين لن يهدأ لهم بال حتى يشعروا بان تقرير مصير بلادهم بأيديهم.
الأمريكيون يحاولون تغيير الخارطة السياسية في (الشرق الأوسط)، وهذا مؤكد انطلاقاً من إطلاق يد إسرائيل في فلسطين المحتلة ودعم سياستها في القتل والاغتيالات والتدمير والتهجير، لكن إرادة الشعب الفلسطيني لم تتح للقوات الإسرائيلية المتغطرسة فرصة لالتقاط الأنفاس ورسم خارطتها الجديدة، كذلك المقاومة العراقية التي أقضت مضاجع الأمريكيين، وعبرت عن رفض الاحتلال رغم كل الوعود المعسولة بالديمقراطية والحرية. فأين هو القبول للسياسة الأمريكية في المنطقة، بل من سيثق بالأمريكيين بعد كل ما حصل ؟. تتعرض سوريا لاتهامات من الكونغرس الأمريكي. ما نظرتكم إلى هذه الاتهامات وما الصعوبات التي يمكن ان تواجهها سوريا بعد ما أقر مايسمى بقانون محاسبة سوريا ؟
ـ الاتهامات ليست جديدة ضد سوريا، وهي تتصاعد دائماً كلما تعرضت إسرائيل إلى مأزق، وبالتالي فإنها اتهامات أمريكية ـ صهيونية يتم تسويقها عبر الأقنية الرسمية السياسية والإعلامية بتحريض من اللوبي الصهيوني المسيطر على مفاصل الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية. أما مايسمى بقانون محاسبة سوريا فهو سلاح طالما لوّح به صقور البيت الأبيض لإرهاب سوريا، ولدفعها إلى التنازل تدريجياً عن حقها في المطالبة باستعادة أراضيها حتى خط الرابع من حزيران عام/ 1967/م، والقبول بسياسة الأمر الواقع، والارتهان لشروط حكام واشنطن وإملاءاتهم التي هي في المحصلة إملاءات صهيونية صرفة. ونعتقد أن إقرار مثل ذلك القانون لن يكون في مصلحة الشعب الأمريكي الذي يتطلع هو الآخر إلى التعاون المثمر والبنّاء مع الشعوب الأخرى، كما أنه لن يؤثر على مواقفنا الثابتة والمبدئية حيال قضايا شعبنا وأمتنا.. بالتأكيد ستكون هناك بعض المصاعب، ولكنها لن تدفعنا إلى الاستسلام والرضوخ لمشيئة الهيمنة الاستعمارية الأمريكية التي تسعى إلى تذليل الطريق أمام المشروع الصهيوني بإقامة دولة _ إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل. بصفتكم أقدم وزير في الحكومة السورية.برأيكم هل الحكومة الجديدة قادرة على تلبية آمال المواطنين السوريين وتوجهات الرئيس بشار الأسد؟
ـ المطلوب من أية حكومة جديدة إصلاح الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، والنهوض بها نحو الأفضل، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وتجاوز الأخطاء التي لم تتمكن الحكومة السابقة من تجاوزها. والحكومة السورية الجديدة قد لا تمتلك عصا سحرية للتغيير الجذري، ولكنها ستكون قادرة على الاضطلاع بمهامها الوطنية إذا أحسنت ترجمة برنامج السيد الرئيس بشار الأسد الحضاري العصري الذي يدعو إلى تفعيل دور القوانين والأنظمة الضابطة لسير العمل والإنتاج في مؤسسات الدولة وقطاعاتها..