وبلا أدنى مبالغة ، حققنا نقلة نوعية في التعليم لكن من حيث الكمية لا الكيفية.. نعم، هاقد تراجعت معدلات الأمية في مجتمعنا الى الحد الأدنى متغلبين بذلك على دول ومجتمعات سبقتنا في هذا المضمار - مضمار التعليم - بعشرات السنين، وهذا بحق مصدر فخار لهذا الكيان العظيم. الآن وبعد تخطي مرحلة الكمية ، وجب علينا حقيقة امعان النظر في السياسة التعليمية من أجل اعادة صياغة لها تتواكب مع متطلبات المرحلة اللاحقة - المرحلة الكيفية - . هناك ركائز لابد منها لتحقيق تقدم في هذا الاتجاه، دعك من التفاصيل فأهل الاختصاص من قادة التطوير التعليمي هم من يصوغها ، وتلك الركائز هي:
1- غرس قيمة القراءة الحرة في نفوس الناشئة ، من خلال اعادة الاعتبار لمكتبة المدرسة كرافد أساس في هذا الاتجاه ، وايجاد آلية لتحفيز الطلاب على استغلالها الاستغلال الأمثل كأن يخول مثلا أمينها - أمين المكتبة والمفترض فيه أن يكون أعلى الأساتذة علما وفكرا - بأن يعقد حلقة مناقشة مع أي طالب قد أتم قراءة كتاب أيا كان ، ويقوم بتقييم مدى استفادة الطالب، فمن حاز قصب السبق في هذا المجال على أقرانه تتم مكافأته ماديا ومعنويا.
2- ذلك الانتشار الشامل لمدارس التعليم العام والذي كان سببا في تراجع الأمية الى أدنى معدلاتها ، وجب الآن من وجهة نظري اعادة النظر فيه، فالعلم يؤتى ولا يأتي ، وكل شيء يقدم على طبق من ذهب جدير به أن يزدري، وهذا ماهو حاصل عندنا ولا مجال بحال للتغاضي عنه فضلا عن انكاره. نعم ، اقامة مدرسة مع ماتتطلبه من كوادر بشرية " معلمين واداريين " في هجر لايوجد بها إلا طلبة للعلم قليلون أمر يفترض ايقافه ، فمن أراد العلم فإنه لاريب واجد طريقه للوصول الى أماكنه خصوصا وأن كثيرا من الهجر قريب منها مناطق حضرية تحوي كل المنشآت التعليمية ولجميع المراحل . هذه الخطوة أقولها بصراحة لو تمت ستعيد للعلم شيئا من قيمته المهدرة !.
3- تدريس العلوم التطبيقية جدير به أن يطور من خلال ادماج الدرس النظري مع متعلقه العملي ، وهذا لايتأتى إلا بتوفير مختبرات مؤهلة تأهيلا أدواتيا ومؤهلة تأهيلا كادريا ، بمعنى أن يكون - وهذا أراه طلبا ملحا - المعلم في العلوم التطبيقية متخصصا على أعلى المستويات ، خصوصا وأن قصب السبق للدول المتقدمة كان نتاج تبحرهم في تلك العلوم ، وايجاد قاعدة لنا قوية من طلاب تعليم عام يكون رافدا للتخصص المستقبلي في تلك الفنون.
4- تحفيز الطلاب من قبل معلميهم على نقد مايسمعون أو يقرأون وعدم التسليم المطلق إلا حين الاقتناع التام ، فهذا مدعاة الى ايجاد أجيال متفتحة لاتقبل الانسياق إلا مع الصحيح والسليم من الأقوال ، مع غرس قيمة الأدب في الحوار العلمي وأن يكون الوصول الى الحقيقة هو المطلب .
5- يجب اعادة النظر بجد في مسألة التهاون في اعطاء الدرجات التي لا تتوافق مع المستوى الحقيقي للطالب ، كل ذلك من أجل أن يحوز على أكبر عدد من أي مدرسة على الدرجات العليا 100% ، تفاخركاذب ، نعم ، لايعقل أبدا أن يكون عدد من الطلاب غير قليل ! حاذقين في شتى المعارف والفنون سواء بسواء، هو أمر أراه على كل حال مضحكا نعم ، أن يشذ شاذ من المليون فقد يكون ذلك مقبولا، لكن بالأعداد التي نراها ونسمع عنها كل سنة أمر لايستسيغه عقل ولا يقبله منطق.
6- أصحاب السلوكيات المنحرفة والأخلاقيات السيئة من الطلاب والذين يستمرون في نهجهم مرارا وتكرارا ، لاأدري بأي صفة يتم التغاضي عنهم واعانتهم على الحصول على درجة علمية ، في حين أن الأصل أن يكون ساح التعليم مفتوحا لكل سوي ، أما غيره فجدير به أن يطرد لأن لاقيمة للعلم بلا أدب ، نعم، (مجرم جاهل أقل شررا بالتأكيد من مماثل متعلم). أقولها بصراحة ، مدارسنا بحاجة الى التخلص من عاهات من مثل تلك النوعيات التي تزري بالعلم وأهله ، ووزارة المعارف عليها أن تضع الضوابط التي تحمي ساح التعليم ألا يطأها الا كل محب للعلم، مقيم للأدب في نفسه قدرا. هناك بالتأكيد أمور أخر، لكن ماذكر فيه خير كثير لو تم البدء في تطبيقه، أعان الله الجميع على العمل من أجل هذا الكيان الشامخ ليبقى كذلك أبد الدهر إن شاء الله وليتسنم موقعه اللائق دائما.