رحم الله الايام الخوالي التي كنا نتسمر فيها امام اجهزة التلفاز ذات الخيارات المحدودة او الواحدة (!!) ونتلقى منها دون ان نتفاعل معها ونبدي اعجابنا او حسرتنا حول ماقدم لنا علنا نجد في مشاهد الايام التالية مايفسر او يشفي غليل فضولنا، ونحمد الله الف مرة على ان ابقى انفعالاتنا غير المنضبطة في كثير من الاحايين ضمن محيط منازلنا او مجالسنا واختلف الحال واصبح بعضنا بفضل برامج الفضائيات المفتوحة في يومنا هذا ينظر ويفتى ويبدي ويعارض ويماطل وينتقد بل يصل الامر الى...... (والعياذ بالله)، ليس لشيء سوى اشباع الرغبة في اسماع صوته وعبر جواله الى الغير بغض النظر فيما اذا كان يعي مايدور من نقاش (!!) ودونما ادراك منه بأن الملايين من البشر يستمعون الى مايتقوله، وللاسف، غالبا مايفسرونه خطأ او يربطونه بالمستوى الفكري لمجتمعاتنا، وعليه يجب الا نستغرب استمرار وصمنا او وصفنا بنمطيات لانتقبلها، والسبب اولا واخيرا يعود الى تصرفات اقاويل بعضنا اللامسئولة.
مع فارق الزمن، فنقطة الاختلاف اننا الان محاسبون على اقوالنا ومطالبون بتبرير ما تقولنا به خصوصا اذا كان الامر متعلقا بحقائق المشاعر واحقاد دفينة لذا يتوجب علينا وقبل لمس ارقام هواتفنا الثابتة او النقالة التروي والتأكد اولا اننا في جو المناقشة ولدينا مايضيف اليها لا مايعكر صفوها او يصيب المشاهدين بمقتل نتيجة سلوك معين لايتماشى مع الاعراف السائدة وادب الحوار من اجل ذلك وللاسف غلبت (بضم الغين وكسر اللام وسكون التاء) الجوانب العاطفية لا العقلانية على كثير من الحوارات المفتوحة على الهواء لدرجة الفنا صورها في شكل مناطحات بغيضة تنعدم فيها الموضوعية والفائدة المرجوة ويزداد بسببها ضغطنا، ولنا في العديد من البرامج اياها ومن يديرونها وزبانيتهم امثلة سيئة جدا اعادت مجتمعاتنا الى عصور الجهل والظلام.
واذا كان هنالك البعض القليل جدا من البرامج الحوارية المشهورة التي يمكن وصفها بـ (الهادفة) بسبب انتهاج من يديرونها اسلوبا يرتكز على احترام وجهات النظر الاخرى فهي ايضا لم تسلم من بعض الفضوليين وخصوصا من ربعنا الذين تنعدم فيهم الرؤيا البصيرية لدرجة تجريح مشاعر المشاهدين قبل المشاركين فيها بغلظة الالفاظ التي تتأرجح بين الغباء تارة، والعنجهية والحماقة تارات عدة لدرجة اجبارك على وضع رأسك تحت الطاولة مطبقا على اذنيك بكلتا يديك منتظرا انتهاء مكالماتهم في اسرع وقت ممكن وبأقل الاضرار.. واحمد الله صبحا ومساء على وجود اجهزة التحكم بالتلفاز (الريموت كنترول) للتخلص من هذه المشاهد المؤسفة والتي تضر ولا تسر وتفسد ولا تصلح وتكسر ولا تجبر فبلمسة سحرية يمكن الانتقال الى محطة اخرى او اسكات الصوت نهائيا كم تعجلت مرارا مجيء اليوم الذي نتمكن فيه من اقتناء اجهزة تحكم تمكننا من اسكات هؤلاء الفضوليين بمجرد شعورنا ان اسئلتهم او استفساراتهم قد اخذت المنحى الذي يشتكي منه غالبيتنا ولا تتعجبوا ان قلت لكم ان هذا الشعور انما يمثل غالبية البشر عندنا لدرجة تفضيلهم عدم مشاركة اي من ربعنا في اي حوار مباشر تجنبا مما لاتحمد عقباه.
قد يجد البعض تبريرات للعامة الذين لم يتعودوا اسلوب الحوار المباشر، لكن الامر يتعدى ذلك، بل يشمل بعض من وصفوا او سموا انفسم بالاعلاميين (ونحمد الله انهم قلة جدا) لدرجة احرج فيها احدهم فبادر بالاتصال لتوضيح امر ما (حاك او حوك في نفسه!!) فوضع في موضع لايحسد عليه عندما انجلت الحقيقة التي لاتتفق مع مآربه، فليته اعتذر وخرج مرفوع الرأس من النقاش، لكنه استخدم سلاح المهزومين والاصح الاغبياء من خلال مهاجمة الضيف في شكله وملبسه.. حسبي الله، كم تمنيت لحظتها (تعثر مكالمته) كونه حسب على اعلاميينا وهو ابعد من ان ينال شرف ذلك..!!
اسئلة كثيرة تجول في الخاطر (المكسور) عن اسباب استمرار هذه المشاهد المؤسفة حول مشاركة البعض في حواريات دونما شعور بالمسئولية ومخافة الله في التقول والتطاول على الغير دون علم او معرفة اهي غريزة السؤال لمجرد السؤال (او مايعرف باللقافة)، ام حب استخدام الجوال، ام حب الشهرة، ام انعدام التربية، ام غياب المسئولية، ام هو ارضاء لفضولنا المعوج الذي لم تقومه عقود من اساليب التعليم في مدارسنا بسبب التلقين؟