منذ أيام قليلة، وافق مجلس الوزراء على الصيغة النهائية لنظام المؤسسات الصحية الخاصة، والتي تضمنت (35) مادة تشتمل على تنظيم الإجراءات الخاصة التي تختص وزارة الصحة باتخاذها لضمان واستمرار تلقي المرضى ما يحتاجونه من علاج بالطريقة التي تراها مناسبة، إذا كان سيترتب على إغلاق المؤسسة الصحية الخاصة إلحاق ضرر بالمرضى المستفيدين من خدماتها. ومن الملاحظات المهمة، تلك العقوبات الرادعة التي نصت عليها لائحة نظام المؤسسات الصحية الخاصة، والتي تتعلق بالممارسات التي تلحق الضرر بالمرضى، حيث تزايدت في الأعوام الأخيرة الماضية مجموعة من الممارسات التي عرفت في مجملها بما يمكن أن نطلق عليه " أخطاء الأطباء"، والتي راح ضحيتها عدد كبير من المرضى في مناطق وأنحاء مختلفة من المملكة، حيث ينتج عن هذه الأخطاء وفاة المرضى الذين يتم علاجهم في هذه المؤسسات الخاصة وسواء كان الخطأ ناجماً عن سوء تقدير في التشخيص أو الكشف، أو ناجماً عن خلل فني في الأشعة أو سوء استخدام للأجهزة الطبية، أو ناجماً عن خطأ في أثناء إجراء عملية جراحية، أو ناجماً عن عدم عناية ورعاية في مجال التمريض أو غير ذلك من الأسباب، فإن المحصلة النهائية أو النتيجة النهائية لمجموع هذه الأخطاء هو تسميتها بـ "أخطاء الأطباء" وقد لوحظ في الكثير من هذه الحالات التي حدثت فيها وفاة أحد المرضى، نتيجة لهذه الأخطاء، أن هذه الأخطاء ذاتها تعد من قبيل التقصير أو التهاون أو الاستهتار بأشياء بسيطة، أو عدم توقع حدوث شيء ما خلال العملية الجراحية، أو عدم وجود تجهيزات أو أدوات لا تكلف شيئاً سواء كان مادياً أو من ناحية الجهد، ولكنه في النهاية الإهمال والاستهتار وعدم أداء الواجب كما ينبغي، الأمر الذي يؤدي في جميع الأحوال إلى وفاة المريض الذي يدخل بعض المؤسسات الصحية " مفقود" ويخرج منها "مفقود" أيضاً، وقد تعددت الأسباب و" الموت" واحد! هذا بعض ما أثاره كثير من الناس في صحفنا المحلية، في كثير من هذه الحالات التي فقدوا فيها أشخاصاً أعزاء لديهم أو من ذوي قرباهم وأهليهم أو من أصدقائهم، حتى تحولت هذه الأخطاء إلى " نكتة" يسخر منها بعض الناس، و" شر البلية ما يضحك"! من هنا تأتي أهمية إصرار هذه اللائحة التي تعكس موادها وبنودها الخمس والثلاثون قدراً كبيراً من الحزم والإصرار على مواجهة كافة الأخطاء وحصارها وليس الحد منها أو تقليلها، بل وقفها ومنعها تماماً وعدم حدوثها، وهو ما يمكن أن " نقرأه" بوضوح شديد في كافة هذه المواد والبنود التي تضمنتها اللائحة. فقد تناولت اللائحة الإجراءات والقواعد الإدارية والقانونية، إلى جانب التعريف الصحيح للمؤسسة الصحية، ووضع الشروط الخاصة بعمل الأطباء والفنيين وأعضاء هيئة التمريض، وشروط وقواعد الترخيص، ونوع الملكية ومدة الترخيص، واللجان التي تكلف بتطبيق كل هذه الإجراءات والقواعد والشروط وتقوم بمتابعة تنفيذها، ثم التعامل مع المخالفات التي حددتها اللائحة وكيفية محاسبة المؤسسات الصحية على هذه المخالفات والعقوبات التي يتم توقيعها ضد هذه المؤسسات في كل حالة مخالفة. وقد جاءت اللائحة "مكتملة" إلى حد كبير، ومتكاملة من حيث تغطية كافة الإجراءات، ومن حيث سد كل الأبواب التي تأتي منها الأخطاء والتي تلحق الضرر بالمرضى، وفي مقدمة هذه الإجراءات التي تضمنتها اللائحة توافر الشروط الصحية والمواصفات الهندسية، وتوافر المعدات والأجهزة الطبية وغير الطبية اللازمة والأثاث، لاحظ حتى الأثاث، وهو لا يقل أهمية عن الأجهزة والمعدات الطبية، من حيث توفير الراحة النفسية للمريض، بل ان هذا الأثاث يؤثر في كثير من الأحوال على " تشكيل" وتكوين ثقة المريض في المؤسسة الصحية أو المستشفى أو العيادة التي يزورها، ومن ثم ثقته في الطبيب الذي يشرف على علاجه، وهي تمثل قدراً كبيراً من العوامل والأسباب التي يتوقف عليها نجاح العلاج. ولاشك أن القارئ المتفحص للائحة الجديدة سوف يلاحظ حرص واضعي هذه اللائحة على توفير كل العوامل التي تساعد، ليس على حماية المرض فحسب، بل تساعد أيضاً على نجاح المؤسسات الصحية في أداء عملها وتحقيق مهامها، الأمر الذي يؤدي في النهاية على توفير " مناخ" صحي ملائم لكافة أطراف " النظام الصحي" في المجتمع، وتوفير الثقة بين المرضى من جانب والمؤسسات الصحية والعاملين فيها إداريين وأطباء وهيئة تمريض وفنين وعمال من جانب آخر، يدل على ذلك ما جاء في المادة الرابعة من لائحة النظام الجديد، والتي تنص على أنه لا يجوز افتتاح أي مؤسسة صحية خاصة أو تشغيلها إلا بعد استكمال جميع الشروط والمتطلبات التي ينص عليها هذا النظام ولائحته التنفيذية، بعد الحصول على التراخيص اللازمة، كذلك ما نص عليه النظام من منح الترخيص للمؤسسة الصحية لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، الأمر الذي يجعل المؤسسة حريصة باستمرار على أداء عملها بشكل جيد، وإلا فإنها لن تحصل على تجديد الترخيص. ولاشك أن الغرامات التي نص عليها النظام في مادته العشرين والتي تبدأ من عشرة آلاف ريال وتنتهي بـ (300 ألف ريال) تعتبر رادعة إلى حد كبير، بالإضافة إلى ما تضمنته المادة من عقوبات أخرى. كذلك ما نص عليه النظام في مادته الثانية والعشرين من تأكيد لمهام اللجنة الطبية الشرعية المنصوص عليها في نظام مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان بالنظر في مسؤولية المؤسسات الصحية الخاصة عن الأخطاء الطبية المهنية التي ترفع بها مطالبة بالحق الخاص أو العام. وقد أعطى النظام الجديد اهتماماً كبيراً بتوافر الخدمات المختبرية ومراكز الأشعة ومراكز جراحة اليوم الواحد والخدمات الصحية المساندة، حيث نص على أن يقوم بهذه الخدمات متخصصون مرخص لهم بذلك، كما نص النظام على توافر الكميات المناسبة من الأدوية والوسائل الأسعافية الكافية داخل العيادات والمجمعات الطبية. ومن أبرز ما تضمنته النظام الجديد، ذلك النص في المادة السادسة عشرة، والذي يؤكد على ضرورة أن تلتزم المؤسسة الصحية الخاصة بتقديم العلاج الإسعافي لجميع الحالات الطارئة الخطرة الواردة إليها، وذلك دون مطالبة مالية قبل تقديم العلاج، وفقاً لما تحدده اللائحة التنفيذية. ولا شك أن هذه المادة تعالج مشكلة كبيرة كان يعانيها كثير من المواطنين الذين يتعرضون لحالات خطيرة طارئة تتطلب التدخل الفوري والسريع والحاسم لعلاجهم، إلا أن بعض المؤسسات كان يتعنت ويفرض شروطاً تعسفية، بل ويشترط سداد الرسوم ومصاريف العلاج قبل أن يقوم بأي شيء تجاه الحالة الخطيرة الطارئة، وكان بعض هذه المؤسسات يتشدد في فرض شروطه، حتى لو كان ذلك على حساب ضياع الوقت رغم أهميته لإنقاذ حياة المريض، وحتى لو كان ذلك على حساب تزايد الحالة الخطيرة الطارئة سوءا، وتدهور وضعها الصحي، حتى أنه حدث في بعض الحالات أن توفي المريض ومات قبل اتخاذ الإجراء المطلوب. وإلى ذلك كله، فقد أعطى النظام الجديد صلاحيات كافية للوزير المختص بشأن تطبيق الأهداف والأغراض التي وضعت من أجلها لائحة نظام المؤسسات الصحية الخاصة، وفيها الكثير الكثير من الضمانات التي يتحقق بها أن شاء الله تعالى تحسين البيئة الاستثمارية الصحية بشكل خاص، وتطوير " البيئة الصحية" بشكل عام، وهو ما يتحقق به الصالح العام، ويتحقق به كل تقدم وتطور في هذا المجال ولخدمة الإنسان السعودي أولاً وأخيراً وفي كل الأحوال.
محمد الأمين