كنت اقول بالامس ان الفضائيات العربية تتعاطى مع مسألة الرأي العام واتجاهات الشارع العربي بأساليب شيوخ الطريقة الذين يتحولون الى اصنام شبه يومية مفسرة للاحداث ومعلقة على المواقف فقط استنادا لمشاعرهم وانطباعاتهم واحاسيسهم وارائهم الخاصة.. وهذا يجيء على حساب وعي الناس وادراكهم لما يدور حولهم.. في فضائياتنا العربية ومنذ احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001, مرورا باعلان امريكا عن شعار الحرب على الارهاب وباسقاط نظام الطالبان ووصولا لحرب العراق وازحة نظام البعث ونهاية بالوضع الحالي العائم الآخذ في التشكل.. اقول منذ ذلك الوقت وعلى مدى عامين تقريبا من النادر ان تتحفك محطة عربية بمعلق عربي ملم بطبيعة النهج العقائدي الذي تبنته حكومة الرئيس بوش الابن وروج له عبر اسماء مؤدلجين من امثال ريتشارد بيرل في مجلس السياسات الدفاعية المرتبط بالبنتاجون وبول ودلفوتز وعلاقة كليهما بمؤسسة راند والهيرتيج كدور بحثية تغذي صناعة القرار في اليمين الامريكي.. ومن النادر ان تجد نفسك كمشاهد امام اشخاص مؤهلين بارتباطات مع دور نخب مفكرة تستوعب كامل اجزاء الصورة كما تقول مع قدرة على النفاذ للبعد العقائدي والآليات والمنافذ الاعلامية والجماهيرية التي يعتمد عليها النظام السياسي الامريكي اليوم في تعاطيه مع خارطة العولمة واحتياجات واشنطن لمزيد من التمدد استراتيجيا في مناطق نفوذ تؤمن لامريكا ابحارا هادئا في مياه صعبة وقد تكون عقبة في تنامي وسيطرة امريكا على حقبة تحرير التجارة وماورائها.. مؤسسات الاعلام العربية اليوم وان كانت لا تملك مايكفي من اموال لتأسيس مراكز دراسات وابحاث داخلها او بالاندماج مع مراكز اكاديمية او بحثية خاصة من اجل بضاعة اعلامية وتنويرية بجودة عالية، فهي مطالبة على الاقل بالارتباط بمتخصصين في دور ابحاث متخصصة في الاقتصاد والسياسة ومستقلة عن الحكومات او مراكز النفوذ سواء في العالم العربي او في اوروبا وامريكا.. مشكلة الاعلام العربي انه لايزال يراوح في المجال الوظيفي اكثر منه مهنى واحترافي.. وهذا مايسهم في بضائع تسطح من رؤوس الجماهير وتغيب من وعيهم بواقعهم الحقيقي سواء كانوا رجال مال واعمال او نخبا مثقفة او عادية.. اما لماذا وكيف يستمر هذا الحال؟ فهذا ما سأتناوله غدا.
