يبدو ان ثنائية الجوهر والعرض رسخت في الأذهان بصورة جنت على الأخير, حتى على المستوى الثقافي, ما نتج عنه إقصاء العرض لحساب الجوهر الذي استحوذ على الاهتمام, واستقطب الأضواء.
لكن العرض لا يقبل - دائما - هذا الإقصاء, ففي أحايين كثيرة يتلمس له مكانا بجانب الجوهري, وقد يسعى إلى أكثر من ذلك , حين يحاول إقصاء الجوهري واحتلال مكانه.
وإذا كان العرض يحتاج في وجوده إلى آخر, كما يقول ابن سينا, فهذا لا يعني نفي قيمته وتهميشه, فقد يحقق - بالفعل - أسمى مما يحقق مقابله, ولعل مهرجان الجنادرية يعزز هذا الرأي.
يظهر أن لقاءات المثقفين في أروقة الفندق أخذت وهجا أكبر من بعض النشاطات المنبرية في السنوات السابقة، وهذا ليس خافيا على القائمين على المهرجان , بل هو من أهداف المهرجان الرئيسية.
ولعل سبب هذا التوهج ما تتسم به اللقاءات الجانبية من صفات, ربما لا تتوفر في النشاطات المنبرية, مرجعها الوقت, والمكان, والحرية في الاختيار والتناول.
الجنادرية استطاعت أن تحول العرض إلى جوهر, بما وفرته من تجمع للمثقفين من أنحاء العالم, يندر مثيله, ولا سيما أن المهرجان لم يقص أي توجه, واستقطب تيارات متباينة, مما أنتج حوارا ثريا ومتنوعا يغني ثقافة الأمة.
كما أن هذه اللقاءات تعكس للمثقف العربي الصورة الحقيقية للمثقف السعودي, بعيدا عن المؤسسات الثقافية وترشيحاتها, وتتيح الفرصة لالتقاء المثقفين - خاصة الشباب - برموز ثقافية عربية, يندر أن تجتمع في مكان واحد , وهذا لا تخفى أهميته.
ومن هنا لا بد من استغلال هذا التجمع وهذه اللقاءات لصنع ندوات وطرح مسائل ثقافية وفكرية, من خلال اللقاءات التي تتم في أروقة الفندق, فهي لا تقل أهمية عن الأنشطة المنبرية.
ومن جانب آخر فهذه الحوارات تستحق التوثيق, بل ينبغي توثيقها, ولو بالحوارات والاستطلاعات الصحفية, حتى يتم استثمارها ثقافيا في المستقبل.
@@ عبد الرحمن المهوس