تناقلت وسائل الاعلام خلال الاسبوع المنصرم قصة او (حادثة) ما فعله (ديك عراقي) بمحتل امريكي في دلالة ولا اكبر على رفض كل المفردات التي تعيش على ارض عراق الرافدين للاحتلال الامريكي - البريطاني الذي وان اتخذ صبغة دولية, الا انه يمر بصعوبات ومشاكل جمة بعد تزايد عمليات المقاومة الشعبية التي راح ضحيتها للآن العديد من القتلى من الجنود الامريكيين والبريطانيين.
.... تقول تفاصيل القصة ان احد جنود الاحتلال الامريكي كان يتأهب لالتقاط صورة تذكارية مع (ديك عراقي) اثناء تجوله مع مجموعة من زملائه في سوق الغزل للحيوانات والطيور في بغداد, وذلك بعد ان استمتع مع زملائه بمشاهدة مصارعة للديوك هناك.
... وفي صورة من صور تداعي المعاني لمبارزات الكاوبوي, انهمك الجنود الامريكيون في تشجيع الديوك المتصارعة, وبعد نهاية المعركة صرخ احد الجنود فرحا مشتبشرا بالنتيجة حيث كان قد راهن على احد الديوك المشاركة في المصارعة.
.. يروي بعض شهود عيان ممن حضروا الحادثة ان الجندي امسك بالديك (الفائز) ورفعه بين يديه عاليا طالبا من زملائه التقاط صورة تذكارية له مع (الديك العراقي الفائز) الذي كان له رأي آخر على ما يبدو.
... فلقد كان رد الديك على المحتل الامريكي ردا عنيفا حيث نقر بمنقاره الحاد العين اليسرى للجندي ففقأها على الفور في صورة ولا ابلغ عن رفض الديك التقاط تلك الصورة مع المحتل, وبالتالي فقد هرع زملاء الجندي الى نقله للمستشفى بينما عاد الديك الى خوض معاركه.
... اذا فالقصة برمتها هي تجسيد لحالة الغليان التي يعيشها كل من دبت قدماه على ارض العراق حتى ولو كان (حيوانا) بعد سلسلة اعمال القمع والتنكيل التي يمارسها الامريكيون (وبشهوة عجيبة) ضد العزل من ابناء العراق.
.... لطالما انتشينا كثيرا بعد سقوط واقتلاع نظام (المقابر الجماعية), الا ان تلك النشوة سرعان ما تبددت بعد ان استبدل النظام السابق بعملية احتلال لا تقل ضراوة وعنفا وقسوة عما تشهده الاراضي الفلسطينية من عدوان اسرائيلي مستمر رغم دعاوى السلام التي تحدثت عنها قمتا شرم الشيخ والعقبة.
... فما حدث ويحدث على ارض العراق العربية سيظل شاهدا على مدى الزمن على الحالة المزرية التي وصل اليها (النظام الدولي المعاصر) في ظل سيطرة القطب الواحد واخفاقه الواضح في معالجة وحل المنازعات الدولية.
... فلقد خلفت (حرب العراق) مجموعة من الآثار السلبية التي تعدت النطاق الجغرافي لهذا البلد العربي الشقيق لتطال عالمنا العربي برمته, ولتلقي بظلالها الكئيبة على الكثير من معطيات مستقبله في جميع الجوانب.
... فلقد اكدت التقارير الصادرة عن منظمة الوحدة الاقتصادية التابعة للجامعة العربية ان الخسائر المبدئية التي لحقت بالدول العربية بسبب العدوان الامريكي - البريطاني على العراق قد تخطت حاجز العشرين مليار دولار فضلا عن تدمير البنية الاساسية للعراق بالكامل وهو ما يشكل خسارة جسيمة لاحدى اقوى الدول العربية قبل الحرب خاصة ان الاقتصاد العراقي رغم الحصار والعقوبات قدر ناتجه القومي الاجمالي بنحو 85 مليار دولار وتراجعت حركة الاستثمارات خاصة في المجال الخدمي في المنطقة العربية عما كانت عليه مما يعني في التحليل النهائي ان اقتصاد عالمنا العربي سيواجه الكثير من المصاعب الاقتصادية في المستقبل المنظور تضاف الى رصيد المشاكل والصعوبات الاقتصادية التي يواجهها في الوقت الحاضر.
... اما على الجانب الاجتماعي فلقد كان لتحدي جنود الاحتلال الامريكيين لكثير من العادات والتقاليد العربية والاسلامية لشعب مسلم اثره البالغ جدا على الشعب العراقي, وعلى كل من تربطه به روابط من دين, ولغة, وتاريخ, وموروث حضاري مما انعكس بدوره على الامة العربية بأسرها وساعد على تأجيج مشاعر الكره والحنق على الامريكيين في المنطقة عموما فيما عدا قلة من شواذ لا حكم لها لانهم يمثلون" شذوذا عن القاعدة".
... واذا ما انتقلنا الى تأثير المغامرة الامريكية على النظام الاقليمي العربي فسنجد انه قد اصبح اكثر بؤسا بعد ان عجز عن التعبير عن المصالح العربية, وحفظ حقوقها, وصيانة امنها. كما ان ما يزيد الامور بشاعة ان الافق يكاد يخلو من اي مبادرة تشكل ميلادا جديدا لعالم عربي قادر على التصدي لكل المحاولات التي تستهدف مستقبله.
... كذلك فلقد ادى الاصرار الامريكي - البريطاني على شن حربهما على العراق الى تصدع ما يعرف بالنظام العالمي الجديد, وبالتالي فرض نظام عالمي جديد تشكل القوة اهم سماته مما تسبب في غياب, او تغييب - لا فرق - كل الآليات التي بناها المجتمع الدولي طوال العقد المنصرم لفرض الشرعية الدولية, وبالتالي وجدنا مخالب الاستعمار تطل على عالمنا العربي من جديد بعد ان توهمنا انه قد ولى الى غير رجعة.
... ان انتهاك حرمة ارض العراق كان يعني في التحليل النهائي انتهاكا صريحا وواضحا لميثاق الامم المتحدة بعد ان قامت امريكا وحليفتها جهارا نهارا بتجاوز ارادة الجماعة الدولية, مما يفرض على المجتمع الدولي ضرورة اعادة البحث عن شكل جديد للتعاون الدولي, والامن الجماعي مما يحقق احترام الشرعية الدولية, ويمنع انتهاك قواعد القانون الدولي من خلال امتلاك آليات الضغط السياسي والدبلوماسي الاقتصادي والعسكري التي تحافظ على السلم والامن الدوليين بعد ان عجزت المنظمة الدولية بوضعها الراهن عن القيام بهما.
ان التحدي المستقبلي الذي سيواجه المجتمع الدولي خلال العقد الحالي يكمن في حقيقة الامر في وجود واستمرارية النظام القطبي الواحد ذي النزعة والمصالح الامريكية, مما يفرض ضرورة تغيير هذا النظام بشكل يمنع تسلط وانفراد دولة مهيمنة على سيادة واستقلال الدول الاخرى.
دمتم.. وعلى الحب نلتقي.