مع نهاية يوم الاربعاء الماضي اكمل بنجاح ما يزيد على ثلاثين طالبا متطلبات مادة (طرق البحث في العمارة) التي اقوم بتدريسها ليس في تجاوزها فقط ولكن في اختيار مواضيع ورقة البحث الفصلية الخاصة بالمادة التي يصب معظمها في مصلحة المجتمع واقله تفهم الطلاب لاحتياجات بعض (فئات المجتمع) التي ظل مصممو البيئة واولهم المعماريون ولاكثر من نصف قرن مضى أو نحوه يعتقدون ان مجرد تناولها هو فرض كفاية، بل ذهب الكثيرون منهم الى انها تقع خارج التخصص وتندرج ضمن مهام من يمتهنون مهنا اخرى ولا داعي لفتح جبهات خلاف اخرى تضاف الى خلافاتهم الازلية مع المهندسين!!
فمنذ سنتين مضتا وضمن خطة تطوير المادة تم توجيه الطلاب الى اختيار مواضيع ورقة البحث ضمن محاور محددة تناقش قضايا انسانية نحن احوج في تفهمها فما بالكم بمعالجتها ووضع حلول تصميمية لها!! فمن مجموع ستة وعشرين بحثا منفردا او مشتركا لهذا العام كانت تسعة منها متعلقة باحتياجات المعاقين في مبان متعددة الوظائف شملت المساجد والمساكن والمنشآت التعليمية والمراكز التجارية والترفيهية، وستة منها شملت التأثيرات النفسية للألوان على المرضى اضافة الى اهمية وجود الاضاءة الطبيعية في غرف المرضى، اما البقية فتناولت جوانب اخرى عن السلامة والامان في المنشآت السكنية والفندقية، السلامة المرورية واهمية تصميم الطرق، اهمية تصميم الفناء المدرسي في بلورة سلوك الطلاب، مراكز الموهوبين، ومدى تلبيتها لاحتياجاتهم، التلوث السمعي في المباني الاكاديمية، واخيرا التلوث البصري على المارة.
والاخير موضوع حيوي يتطلب استمرارية دراسته وربما على المستوى الوطني كونه يتعلق بالراحة النفسية للمارة بالطرقات العامة ومدى تأثيرات التلوث البصري الناتجة عن فوضى اللوح الارشادية والدعائية بسبب تداخل استعمالات الاراضي وعدم وجود تنظيم يحكم هذه اللوح سواء في الشكل او الحجم او اللون او الموقع او حتى متطلبات السلامة الدنيا.
حتى لا اكون متحيزا لطلاب مادتي، فقد تشرفت بتحكيم بعض المشاريع النهائية لطلاب كلية العمارة والتخطيط والاطلاع على بعضها ضمن معرض الكلية السنوي، او من خلال مشاريع تم عرضها في الكلية تمثل اعمال طلاب كليات اخرى ولمست عن قرب واقعا جديدا بدأ يتبلور في جرأة المشاريع ومدى ارتباطها باحتياجات المجتمع الفعلية دونما الاخلال بهاجس الخيال الواسع الذي يميز مصممي البيئة عن غيرهم، وحسبي اننا على مشارف تحول كبير في الفكر المعماري الذي سيتغذى منه العامة عندنا ولسنوات طويلة بإذن الله تعالى، ومن خلال الكفاءات الشابة الطموحة التي يحتضنها جميع كليات العمارة والتخطيط وتصاميم البيئة في مملكتنا الحبيبة، او اولئك الذين يعول عليهم الكثير في تغيير العديد من المفاهيم التصميمية، على الاقل في تغيير النمطية التي اتسمت بها معظم مدننا لدرجة جعلت القبيح في عيون امه غزالا!!
عودة الى موضوع طلاب المادة وما توصلوا اليه في اوراقهم البحثية فقد يكون من المفيد استعراض بعض النتائج الهامة في سوانح لاحقة، وعليه اطمئن بعض اصحاب القرار في ما يتعلق بأمور البيئة المشيدة ان هذه النتائج لا تمثل الا دراسات استطلاعية اولية يجب ان تتبعها دراسات علمية موسعة لتأكيدها ولحين حدوث ذلك وهو امر مستبعد (خاصة في ظل تجاهل الاهتمام بالبحث العلمي ودعمه الحقيق) ضعوا في بطونكم (بطيخة صيفي) وناموا قريري العيون فإننا لا ننتظر تفسيرا ولا نتوقع تغيير!!.