@ اكتب هذه السطور عن رجل غيبه عن أبصارنا القدر
انتقل في سكناه الى جوف الأرض
قال الراوي عنه في قص الحكايا في محاولة وصف شخصيته:
عاش بين البشر عملاقا
قلب أبيض آلف نبضه عزف موسيقى الحب مهداة للجميع
صدر واسع فسيح كأنه بستان زاد في خضرته تعطر بريح الورد والياسمين ارتوى في سقياه من نهر التواضع الكبير.
ابتسامة لا تفارق ثغر حتى مع المرض درج في أن تخر مفرداته وجمله بلسان خصب ينثر اللفظ الجميل.
جموع تتقاطر ألما لكلمة (آه) حتى لو إنها أتت همسا من غريب توقف الراوي عن الحديث برهة ليمسح بعض قطرات من دموع سالت على خديه ثم نطق بصوت فيه نبرة حزن شديدة قائلا المعذرة فإنني مهما حاولت أن أصف لن أستطيع أن أوفيه حقه من الوصف إنها مجموعة مشاعر وأحاسيس عنوانها الطيبة والحنان في أرقى معانيها.
لقد أحبه جميع من عرفه وأحب هو الجميع.
أضاف الراوي في قوله:
احب كرة القدم
وقد كان من أولئك القدامى الذين عاصروا بداية نشأة عهدها في المنطقة الشرقية عامة والخبر خاصة وكونه قد آلف الزهد في الدنيا لم يسع في أن ينطلق بقدمه في الجري حثيثا خلف القلم من أجل كتابة اسمه في صفحات التاريخ بأنه كان احد ورادها.
لقد اكتفى بان أطبق عل ما يعنيه بالصمت المطلق..
أما حقوق الآخرين في تلك الصفحات فدائما ما كان يعاود قراءتها من خلال لغة الحوار لعله يجد من يكتبها ويوثقها.
إنها حقا صفات العظماء.
كان يرى وفي إصرار مطلق ان كرة القدم في عالمها المستدير مهما بلغت مساحة لفها ودورانها طال الزمان بها أو قصر ليس فيها معجزات إنما هي معجزة واحدة كانت فيما مضى ... اسمها سالم فيروز
(كان القدر اسبق في حين لم يمهله فرصة قراءة الحوار الذي أجراه الميدان قبل فترة وجيزة مع اللاعب المعجزة بغرض توثيق الحقيقة).
يسترسل الراوي في سرد الحكايات قائلا:
أصر ذات يوم في سالف الزمان على اصطحاب طفل صغير لم يتم عقده الأول من العمر بمعيته لمشاهدة إحدى مباريات كرة القدم التي أقيمت على تراب ملعب يعقوب بالخبر وكانت جامعة بين فريقين ارتدى أحدهما القميص الأبيض بينما توشح الآخر قميصه الأحمر وكلاهما من الخبر الجميلة في طابعها البسيط ذلك الزمان في بيوتها في شوارعها في حديقتها في بحرها في ليلها ونهارها .. الأجمل من حاضرها بتآلف قلوب أهلها وهي ذات الألفة الوجدانية التي جمعت فيما بعد بينه وذلك الطفل الذي لم يكن يعنيه من الأمر حينها سوى أنه كان شديد الفرح بهذه الصحبة لعدم رغبته البقاء بين أحضان البيت .. وقد عاش الفرح من خلال بساطة التفكير فلم يتسن له إدراك السر الخفي من وراء الإصرار المفاجئ على ضرورة حضوره تلك المباراة وما تلاها من مباريات أخر.
لكنه مع تقدم السنين وعي وأدرك أنها كانت بقصد غرس بذرة الحب في نفسه التي كانت حينها أرض خصبة وكونها هي كذلك استسلمت طواعية لحبات البذر بكل ما في الطفولة من براءة اثر ذكاء في فرض وصية غير مكتوبة بدأت بمصيدة طيب المعاملة منذ الجلوس على تلك الكراسي الخشبية المدعمة بمصيدة البيبسى كولا والميرندا المبردتين بالثلج وحبات من اللوز المحمص والفصفص المغلف بقصاصات ورق الجرائد وما شابهها وتباعاً لتلك المقابلات كان الطفل يتجاوب بعفوية من حيث تشجيع الفريق المفضل لمن اصطحبه وكأنه وقع في الفخ.. وهكذا كان فعلاً إذ أنه منذ ذلك الزمان نمى وترعرع حب القميص الأحمر في نفس ذلك الطفل الذي كبر فعاش مع هذا الحب أجمل قصص الحب المليئة بالأفراح والأحزان.
* هذا ما قاله الرواي وبصفتي أنا من كان ذلك الطفل الذي عاش حب الانتماء القدساوي منذ الصغر فإنني أكتب هذه الرسالة بمثابة الاعتذار لصاحب الحكاية وهو يقطن أولى منازل الدار الآخرة لعدم مقدرتي في الحفاظ على شروط وصيته بضرورة أن يتوارثها جيل عن آخر كون نتاجي الذي لم يتجاوز التاسعة من عمره أضحى بقوة محباً لقميص آخر بألوان أخرى تتجول أمام ناظري صباحاً ومساء وكأنها عنوة بدءاً من حقيبة المدرسة مروراً بالإعلام والشالات والقمصان التي بدأت تتكاثر عدداً بأرقام اللاعبين.. حاولت جاهداً أن أعالج هذا الغرس في بدايته قبل أن ينمو من خلال الإغراءات تارة والنهر تارة أخرى لكن دون جدوى جميعها محاولات باءت بالفشل. (لقد بات في بيتنا اتحادي). ان الشجرة التي غرست بذرتها بدأت تترنح وأظنها سوف تسقط وتقلع من جذورها وسيظل مكانها حفرة قد تطمس بين ضحية وعشاها ليس عيباً في قدرة ثمرها على الإخصاب وإنما العوامل المساعدة في هذا الزمان ليست كما هي في ذلك الزمان قبل ثلاثين عاماً وما زاد. أرجوك سامحني.
* يا عيون إياك أن تغمضي.
اذرفي الدمع
تصببي القطرات أمطار وأنهر
يا دموع إياك أن تخجلي
أنك الماء به النفس ترتوي
أنك تبكي فراق حبيب
الكل يبكي لفراقه
اسمه ناصر حميض
بات زمانه ماضياً
وكان كل شيء في زمانه أجمل
خالي العزيز يرحمك الله ويسكنك فسيح جناته.. حقاً أنا آسف..
إلى اللقاء