مرت البشرية بعصور مختلفة اتسم كل منها بسمة ميزته عن غيره فالعصر الحجري تميز باعتماد الانسان على الادوات المصنوعة من الاحجار والصخور حتى كانت النار وتشكيل المعادن ثم بدأت الاكتشافات التي اعتمدت على مصادر الطاقة المختلفة فاستخدم الفحم في ادارة المحركات التي غيرت مفهوم الالة لدى الانسان وتوالت الاختراعات التي بنيت في جلها على قوانين الطاقة وقوانين الحركة وصولا الى الصورة التي هي عليها الان من تطور ورقي ودقة، ولعل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات هي اهم ما يميز العصر الذي نعيشه، وشبكة الانترنت كواحدة من التقنيات الحديثة في هذا المجال ساهمت بشكل كبير في تيسير سبل الاتصال وتبادل الاراء وتوفير قدر كبير من الجهد والعناء المبذول في انجاز العديد من الاعمال والمهام وساعدت على اختصار الوقت وتقريب المسافات وفتحت افاقا جديد وابوابا واسعة للمعرفة والبحث والاطلاع وما الى ذلك من الفوائد التي لايستطيع ان ينكرها عارف باحوال تلك الشبكة ملم بتقنياتها مستخدم لتطبيقاتها مستفيد من خدماتها، وكما ان لكل تقنية فوائدها فلها كذلك مضارها وعيوبها، فعيوب الانترنت قد تحمل البعض منا على صرف التفكير فيها او محاولة استخدامها على اعتبار ان الداء ربما يكون اخف من بعض الدواء، ولتعدد تطبيقاتها وكثرة ما تحمله في احشائها من خير وشر يعزى الادمان على استخدامها الذي يصاب به قدر كبير من روادها، فمتعاطي الانترنت ينفق اوقاتا واموالا كثيرة فيما لا يعود عليه بفائدة تذكر في العديد من الحالات - بل ربما جلبت عليه شرورا واثاما جراء تصفحه مواقع محرمة لا تحوي صفحاتها غير الاباحة والشذوذ, واخرى قد تجعل منه فريسة بين مخالب مجرمين استطاعوا ان يقتحموا جهازه فاطلعوا على محتوياته ونبشوا اسراره وانتهكوا خصوصياته وما اكثر ضحاياهم اذا ان العديد من المواقع التي توفر خدمات الشات (المحادثة) ومنتديات الحوار تقرأ عنوان اي جهاز يدخل على تلك الخدمات وهو مايعرف برقم (الآي بي IP) والذي تم ادخاله بعد ذلك الى احد برامج التجسس مثل برنامج (صب سفن) او برناج (هاك اتاك) او غيرها ليعرض لهم محتويات جهاز الضحية بالكامل، ايضا فان كشف (باسوورد) البريد الالكتروني والاطلاع على محتوياته لم يعد بالامر الصعب على هؤلاء.
والحقيقة ان مستخدمي الانترنت في محيط العالم العربي يمكن تقسيمهم الى فئات متعددة لكل منها خصائصها التي تميزها واقلهم عددا تلك الفئة التي يقتصر استخدامها للانترنت على اداء اعمال محددة كالاستفادة من خدمات البريد الالكتروني او الحصول على معلومة موثقة من مصدر رسمي وما الى ذلك وقد لا يكلفهم ذلك الكثير من الوقت او المال فمتوسط استخدامهم اليومي للشبكة ربما لا يزيد على ساعة واحدة وجلهم من الباحثين ورجال الاعمال، وهناك فئة معتدلة في استخدامها لهذه الشبكة تبحث عن الجديد وتستفيد من البرمجيات وخدمات التعلم التي تقدمها بعض المواقع المفيدة، اما الفئة الاكثر استخداما للانترنت فهي من الشباب والفتيات الذين يمضون ساعات طويلة خلف الشاشات لا شغل لهم سوى المحادثة والتعرف على اخرين وتبادل الحوار الذي يتسم اغلبه بالتفاهة واللاموضوعية وتحلو هذه الحوارات في الاوقات المتأخرة من الليل وربما صاحب ذلك امكانية تبادل الخبرات وطرق الوصول الى المواقع الاباحية المحرمة - كما ذكرنا- ويضاف اليهم ثلة من الموظفين الذين تستهويهم منتديات الانترنت واللهث وراءا خبار كاذبة وشائعات مغرضة يخطف اصحابها الخطفة ويبنون عليها مائة كذبة كما يفعل المردة من الجن، ومما يؤسف له ان من بين هؤلاء عددا غير قليل من المعلمين الذين يفترض فيهم توعية طلابهم باضرار هذه الشبكة والاستخدام المفرط لها دون حاجة ضرورية، وجميع من ينتمي الى هذه الفئة قد ادمن استخدام الانترنت بشكل يجعلك تستطيع ان تميزه عن غيره من زملائه فهو شاحب الوجه مرهق خلال فترات النهار كثير الغياب والتأخير عن عمله او مدرسته وهم في ازدياد مطرد ينذر بالخطر لما للادمان على الانترنت من تأثير مباشر على عدد ساعات العمل بشكل عام وكذلك دقة الاداء والاتقان ناهيك عن بيوت بدأ الوهن يدب في روابطها الاسرية ويهدد مصيرها وينذر بالتفكك والانهيار جراء انشغال اربابها بمتابعة الانترنت وحرمان اسرهم من حقوقهم الطبيعية الواجبة لهم وافتقاد الابناء لدور الاب وتأخره في تلبية متطلبات بيته.. كل هذا والعديد غيره من مضار الانترنت يجعلنا نجزم بانها لم تزدنا الا رهقا وبشكل اصبحت الحاجة معه ضرورية لتنفيذ حملات توعوية وندوات ارشادية تتكاتف فيها الجهود وتسخر لها الامكانات والطاقات في سبيل الحد من الافراط في استخدام هذه الشبكة والتحذير من تنامي اعداد المستخدمين للجوانب غير المفيدة فيها وعدم اهدار الوقت فيما لا يعود باي نفع عليهم وعلى اسرهم ومجتمعهم.
@@ عيد ابراهيم
باحث تربوي