أخبار متعلقة
أكد المشاركون في الاجتماع العاشر لمجموعة عمل الدول الخمس المطلة على بحر قزوين الغني بالنفط أن مفاوضات تقاسم ثرواته حققت بعض التقدم.
وقال إعلان مشترك صدر في اختتام الاجتماع المذكور بموسكو إن مواقف الأطراف المعنية تقاربت فيما يتعلق بعدد من مواد الاتفاقية حول وضع بحر قزوين.
وأوضح فيكتور كاليوجني نائب الوزير الروسي أن موقف إيران كان (أكثر ليونة" عن ذي قبل, داعيا إلى العمل بطريقة نشطة للتوصل إلى اتفاق, معلنا عن عقد اجتماع جديد لمجموعة العمل في الثامن والتاسع من سبتمبر المقبل في العاصمة التركمانية عشق أباد.
وأعرب نظيره الإيراني مهدي صفري عن تفاؤله بقوله: هناك خلافات, لكننا نتقدم وسنتفق في مستقبل قريب، مشيرا إلى أن الدول المطلة على بحر قزوين ستوقع في نوفمبر بطهران اتفاقية حول البيئة وبحر قزوين.
وتشكل خطوط تقاسم ثروات بحر قزوين الذي قد تكون احتياطيات المحروقات فيه الثالثة عالميا موضع نزاع بين الدول المطلة عليه منذ انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991.
وتريد إيران على غرار تركمانستان نسبة 20% من موارد البحر بالتساوي مع الدول الأخرى في حين تطالب روسيا وأذربيجان وكزاخستان بتقاسم هذه الموارد نسبيا على أساس طول سواحل كل من الدول الخمس عليه, وهو ما يترك لإيران وتركمانستان نسبة 13% فقط.
وكانت روسيا وأذربيجان وكزاخستان قد وقعت في مايو الماضي في ألماآتا اتفاقا لتقاسم ثروات شمال ووسط بحر قزوين بعد فشلها في التوصل إلى تفاهم مع إيران وتركمانستان.
ويجري هذا التقاسم وفقا لطول سواحل الدول الثلاث الموقعة على الاتفاق الذي يمنح أذربيجان نسبة 18% وروسيا 19% وكزاخستان 27%.
من جانب آخر توصلت تركمانستان وإيران في مارس الماضي إلى إعداد اتفاق ثنائي بينهما يقضي بالبدء بترسيم حدود مشتركة.
محور صراع
ومن الجدير بالذكر فقد برز بحر قزوين كمنطقة إستراتيجية عالمية في مطلع العقد الأخير من القرن الماضي عقب سقوط الاتحاد السوفياتي وانفراط عقده إلى دول مستقلة، بما في ذلك الدول المشاطئة لبحر قزوين الذي كان يخضع قبل ذلك الحين لسيطرة النظام الشيوعي في ما عدا سواحله الجنوبية التي كانت ولازالت تخضع لسيطرة إيران.
وحسب الدراسة التي قام باعدادها الباحث الفلسطيني يوسف الشروف ، فان بحر قزوين يحتوي على ثروات طبيعية هائلة وهو ما وسع دائرة الصراع على النفوذ فيه لتشمل دولا من خارج المنطقة (روسيا وإيران وكزاخستان وتركمانستان وأذربيجان) كالولايات المتحدة والدول الأوروبية الغربية التي تعاني عوزا في احتياطيات الطاقة.
ومنذ ذلك الحين غدت منطقة قزوين مفردة حاضرة في أدبيات ما يعرف بالجغرافية السياسية (Geopolitics) الأمريكية وأقامت الدول الغربية من أجل ذلك عشرات مراكز البحوث والدراسات مع إهمال واضح لهذا الجانب من قبل البلدان المنتجة للطاقة باعتبارها مهددة من بروز بحر قزوين كمنطقة نفطية بديلة أو منافسة لها على الأقل.
وفي هذا الجانب يقول مدير معهد دراسات الأمن القومي الأمريكي وليام أودوم إن منطقة بحر قزوين أصبحت امتدادا طبيعيا وتلقائيا لمنطقة الخليج العربي بوصف الأخيرة منطقة النفوذ الإستراتيجية الثالثة التي أقامت عليها الولايات المتحدة ما يعرف بسياسة الاحتواء عقب الحرب العالمية الثانية. ويضيف أودوم وهو جنرال متقاعد قائلا إنه مع أن زوال الاتحاد السوفياتي يفرض منطقيا التخلي عن هذه السياسة إلا أن ذلك يقتضي من الناحية العملية الإبقاء عليها من أجل تحقيق مصالح الولايات المتحدة في تلك المنطقة).
احتياطيات النفط والغاز
وتتفاوت التقديرات بشأن احتياطات الطاقة في حوض بحر قزوين تفاوتا صارخا وفقا لاختلاف المصدر وهو ما يلقي بشكوك كبيرة حول حقيقة هذه الأرقام!! وتقدر وكالة الطاقة الدولية الاحتياطيات المثبتة (Proven Reserves) من النفط بنحو 15-40 مليار برميل وهو ما يمثل 1.5% إلى 4% من الاحتياطيات العالمية المثبتة.
أما الاحتياطيات المثبتة من الغاز الطبيعي فتقدر وفقا لنفس المصدر بنحو 6.7-9.2 تريليونات متر مكعب إضافة إلى احتمال وجود ثمانية تريليونات أخرى. وهذا يعني أنها تمثل نحو 6%-7% من الاحتياطيات العالمية من الغاز.
غير أن تقديرات وزارة الطاقة الأميركية لاحتياطيات النفط القابلة للاستخراج تفوق الرقم السابق بكثير، إذ تشير إلى أن الاحتياطيات المحتملة (Possible Reserves) تصل إلى 200 مليار برميل وهو رقم يقترب كثيرا مما لدى المملكة من احتياطيات نفطية مثبتة والبالغة 269 مليار برميل.
كثير من الخبراء يشككون في هذه التقديرات ويرون فيها مبالغة كبيرة وهو ما عزز شكوك بعض المراقبين في أن ثمة مغزى وراء هذه الأرقام الكبيرة وأن القصد منها شن حرب نفسية وممارسة ضغوط على الدول النفطية الرئيسية لحملها على الاستجابة لمطالب الدول المستهلكة المتمثلة في خفض الأسعار على المدى الطويل كي لا تشكل مشترياتها من الطاقة ضغطا على ميزانياتها وبالتالي ضمان ازدهار اقتصادياتها ورفاهية شعوبها.
أما مصادر صناعة الطاقة نفسها فتقدر الاحتياطيات النفطية القابلة للاستخراج (Recoverable Reserves) بنحو 25-32 مليار برميل بينما أورد معهد وود ماكينزي للاستشارات تقديرات بأن الاحتياطيات المثبتة تصل 70 مليار برميل، وهي تقديرات لا تزيد كثيرا عن أرقام بعض شركات الطاقة الأميركية التي تتحدث عن احتياطيات ممكنة بنحو 65 مليار برميل.
أما من حيث التوزيع فيتركز القدر الأكبر من الاحتياطيات النفطية في كزاخستان وأذربيجان وإلى حد أقل أوزبكستان.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من نصف الثروة النفطية المحتملة يقع في كزاخستان، بينما يقول بعض المحللين إن كزاخستان تحظى بأفضل الفرص لأن تقود العمليات الحالية والمستقبلية إلى التوصل إلى المزيد من الاستكشافات فيها.
في مطلع القرن الماضي، كان الإنتاج النفطي في أذربيجان يشكل نحو نصف الإنتاج العالمي من الخام، غير أنها فقدت موقعها المتميز هذا حتى داخل الاتحاد السوفياتي بسبب تحول الاستثمارات إلى مناطق أخرى. بيد أن السنوات القليلة الماضية شهدت ارتفاعا قويا في وتيرة الاستثمارات.
أما بالنسبة للغاز الطبيعي، فتشير البيانات إلى أن لدى تركمانستان رابع أكبر احتياطي في العالم من الغاز الطبيعي، بينما تمتلك كل من كزاخستان وأوزبكستان كميات معتبرة. وقد ظلت تركمانستان حتى قبل انهيار الاتحاد السوفياتي مصدرا رئيسيا للغاز لكنها تراجعت في الآونة الأخيرة بسبب منافسة روسيا لها إضافة إلى تحكم الأخيرة في خطوط التصدير. ويرى خبراء أن الآفاق المستقبلية الطويلة الأمد لصناعة الغاز في تركمانستان تتوقف على مدى تطور أسواق التصدير كتركيا وإيران والشرق الأقصى.
وتعد كزاخستان مستوردا فعليا للغاز وبالتالي فإن أي زيادة في الإنتاج ستذهب على الأرجح لتلبية الطلب المحلي. ودون تطوير خطوط بديلة فسيتعين عليها شحن صادراتها من الغاز عبر روسيا، وبالتالي ستجد نفسها في مواجهة نفس المشكلات التي تعترض سبيل الصادرات التركمانية.
تعد أوزبكستان أكبر منتج للغاز الطبيعي في آسيا الوسطى، وذلك بعد أن تردت مستويات الإنتاج في تركمانستان، لكن معظمه يستهلك في السوق المحلية. وباستثناء الكميات المتواضعة التي تصدرها لجيرانها، فإن انعدام أي منفذ مائي لها يفرض عليها شحن صادراتها من الغاز عبر عدد أكبر من الدول التي تمر منها صادرات تركمانستان وكزاخستان.
مشاريع تطوير
تتفاوت التقديرات المتعلقة بتطوير موارد الطاقة في منطقة حوض بحر قزوين وفقا لمصادر مختلفة.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يبلغ إنتاج النفط في كل من كزاخستان وتركمانستان وأوزبكستان بحلول عام 2010 مستوى 3.5 ملايين برميل يوميا في أفضل الأحوال، وفي أسوأ الأحوال 1.4 مليون برميل.
وبتقديرات الحكومة الأميركية يتوقع بلوغ الإنتاج مستوى 4.5 ملايين برميل بحلول عام 2010 إذا ما أزيلت العقبات السياسية.
فيما يتوقع مركز الدراسات الإستراتيجية الدولية وصول إنتاج الدول الثلاث 3.5 ملايين برميل يوميا في الفترة نفسها تقريبا.
أما معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة فيحذر من أن زيادة الإنتاج ستكون بطيئة رغم أنه يتوقع وصول الإنتاج اليومي في الدول المذكورة 3.5 ملايين برميل في غضون الفترة المشار إليها.
ورغم التفاؤل بأن يكون حوض بحر قزوين مصدرا لتعزيز ما يسمى في الغرب بأمن الطاقة وتنويع مصادر الإنتاج وخفض الأسعار فإن محللين يرون أن آفاق النجاح تبدو أفضل بكثير لو بذلت جهود مماثلة أو أكبر بقليل في مناطق إنتاج أخرى كالمكسيك ومناطق سيبيريا الروسية.
وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن إنتاج الغاز في كل من أذربيجان وكزاخستان وتركمانستان وأوزبكستان سيصل إلى 201 مليار متر مكعب بحلول عام 2010 وذلك في أفضل السيناريوهات، لكنه لن يقل عن 164 مليار متر مكعب في أسوئها.
خطوط الأنابيب
غير أن مصدري الغاز من منطقة بحر قزوين يواجهون جملة مشكلات ليس أقلها المنافسة الشديدة التي يواجهونها في أسواق الغاز الأوروبية من عدد من الدول الأخرى، إضافة إلى العقبات التي تكتنف مد خطوط الأنابيب وارتباط أسعار الغاز بأسعار النفط في معظم الأسواق وهو ما يعني أن ثمة عقبة أخرى تعترض سبيل غاز بحر قزوين إذا ما بقيت أسعار النفط عرضة للتقلبات الحادة.
ثمة إجماع عريض على أن المشكلات السياسية واللوجستية التي تكتنف إيصال غاز قزوين ونفطه إلى الأسواق العالمية تجعل المنطقة مختلفة عن أماكن أخرى غنية بالطاقة كبحر الشمال وفنزويلا، فالمنطقة لا تفتقر فقط إلى المنافذ المائية بل تحيط بها دولتان رئيسيتان (روسيا وإيران) تعدان منافسين تجاريين لها وهما تتحكمان بالمسارات الأكثر جدوى لمد خطوط الأنابيب خاصة إيران.
التوترات العرقية في إقليم ناغورنو كرباخ وفي أبخازيا بجورجيا وفي الشيشان وداغستان في روسيا هي معضلات حقيقية تهدد خطة تصدير الطاقة إلى أسواق المستهلكين خاصة وفق التصور الذي يقترح خطا يمتد من الشرق إلى الغرب.
يضاف إلى هذا وذاك بقاء الوضع القانوني للبحر معلقا دون حل، رغم الجهود الجبارة التي بذلت للاتفاق على صيغة لتقاسم ثروات البحر ومياهه، خاصة القمة التي عقدت في عشق أباد أواخر أبريل وجمعت قادة الدول الست للمرة الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.
جميع المسارات الممكنة بلا استثناء تنطوي على عقبات تعترض سبيل خطوط الأنابيب المقترحة بما في ذلك خطوط باكو جيهان الذي تقف وراءه الولايات المتحدة بكل ثقلها.
المسار الجنوبي:
يجمع خبراء صناعة الطاقة على أن إيران تمثل المسار الأجدى تجاريا لمد خطوط أنابيب الطاقة من آسيا الوسطى إلى الأسواق الأوروبية على الأقل، نظرا لقصر المسافة وإمكانية وصل الخطوط المقترحة بالأنابيب ومنافذ التصدير الموجودة فعليا على الخليج العربي.
غير أن العقوبات الأميركية على إيران تجعل من هذه الخطة مجرد فكرة لأنها تمنع رجال الأعمال من الاستثمار في أي مشروعات تشمل إيران. إضافة إلى ذلك لاتزال دول قزوين ترى أنه في غير مصلحتها تمكين إيران من السيطرة على منفذ رئيسي لتصدير الطاقة منها.
المسار الشمالي: تمثل شبكة الأنابيب الروسية خيارا جيدا لكن العيوب التي توجد في نظام الأنابيب الروسية يقضي بضرورة البحث عن بدائل أخرى تجنب دول قزوين الاعتماد على تعاون موسكو معها.
والقيود التي فرضتها روسيا على كزاخستان هي التي كانت وراء فكرة مشروع ما يعرف بكونسورتيوم خط أنابيب قزوين الواصل إلى ميناء نوفوروسيسك. غير أن المشروع لم يخل من الصعوبات إذ طالبت الحكومات الروسية المحلية بحقوق لها في الخط المار في أراضيها.
وكانت المشكلات التي واجهتها تركمانستان مع شركة غازبروم الروسية قوة دافعة وراء تفكير عشق أباد في البحث عن بدائل فكان الاتفاق الأخير لنقل الغاز منها إلى باكستان عبر أفغانستان.
المسار الشرقي الغربي:
المتمثل في خط باكو (أذربيجان) جيهان (تركيا) لكنه يعد الخيار الأعلى كلفة، فمد خط الأنابيب من باكو إلى جيهان على البحر المتوسط قد يتفادى مشكلة الازدحام المروري في مضيق البسفور تقديرات الكلفة تقول إن بناء الخط قد يحتاج لاستثمارات تتراوح بين ملياري دولار وستة مليارات. ولكي تتوفر الحماسة لهذه الكلفة لا بد من رفع طاقة الخط بحيث يكون قادرا على نقل ملياري متر مكعب سنويا وهو ما لا تستطيع الحقول الآذرية توفيرة، التوترات العرقية في المناطق التي سيمر فيها خط الأنابيب تظل عوامل تثبيط خاصة الصراع بين أرمينيا وأذربيجان على إقليم ناغورنو قره باغ.
قزوين بديل للخليج أو منافس له
في ظل المشكلات التي تعترض سبيل تطوير حقول الطاقة في دول حوض بحر قزوين والمعضلات التي تحول دون إيصال النفط والغاز إلى الأسواق الاستهلاكية العالمية، وفي ظل التفاوت الصارخ للتقديرات بشأن احتياطيات المنطقة من الطاقة، ما حقيقة المخاطر التي يروج لها من أن بحر قزوين يمثل بديلا أو على الأقل منافسا لنفط الشرق الأوسط خاصة نفط الخليج؟.
بصرف النظر عن أكثر الأرقام السابقة رجحانا فإن ثمة شبه اتفاق بين المراقبين على أن منطقة قزوين لن تصبح شرق أوسط آخر أو منافسا رئيسيا لمنطقة الخليج العربي لكنها قادرة على الهبوط بأسعار النفط كما يمكنها أن تلعب دورا معتبرا في تنويع مصادر الإنتاج تحقيقا لمساعي الدول الغربية المستهلكة.
هذا ما يمكن أن يقال في الوقت الراهن لكن أحدا لا يستطيع استبعاد هذه المخاطر في المدى الطويل بل وحتى القصير في ظل المتغيرات الدولية المتسارعة، خاصة المتغيرات الجيوسياسية، فأفغانستان التي ظلت قبل سقوط طالبان خيارا مستبعدا أصبحت اليوم ممرا لنقل غاز تركمانستان إلى باكستان
تفاوت التقديرات حول حجم الطاقة في بحر قزوين