هو ابو عبدالله محمد بن احمد بن سعد التميمي، ويكنى بأبي عبدالله، ويلقب بالحكيم المقدسي، لأنه ولد وترعرع في مدينة القدس، ثم انتقل الى الديار المصرية لطلب العلم، لذا صار يلقب بالمري، وتوفي في أرض الكنانة سنة 380هـ (الموافق 990 ميلادية)، وتفوق على زملائه في إلمامه الفائق النظير بعلم النبات والأعشاب وتركيب الأدوية المفردة والمعاجين المختلفة منها، على الرغم من تفوق ابي عبدالله التميمي في علم الطب والصيدلة البعض يخلط بينه وبين المؤرخ المشهور أبي العرب محمد بن احمد بن تميم التميمي المغربي الذي ولد وتوفى في القيروان بأفريقية (251-333 هجرية)، والذي حاز على شهرة عظيمة في كل من علم التاريخ والتربية، ويكفيه فخرا كل من (كتاب التاريخ) المكون من سبعة عشر جزءا وكتابه (مناقب بني تميم) اللذين خلدا اسمه بين العلماء المرموقين.
يقول ابن أبي أصيبعه في كتاب عيون الأبناء في طبقات الأطباء: (كان مقام ابي عبدالله محمد بن احمد بن سعد التميمي اولا بالقدس ونواحيها (بلاد الشام) وله معرفة جدية بالنبات وماهياته والكلام فيه، وكان متميزا أيضا في اعمال صناعة الطب والاطلاع على دقائقها، وله خبرة فاضلة في تركيب المعاجين والأدوية المفردة). اما جمال الدين القفطي فيمتدحه في كتابه تاريخ الحكماء بقوله:(وكان لأبي عبدالله محمد بن احمد بن سعد التميمي غرام وعناية تامة في تركيب الأدوية، وعنده غوص على أمور هذا النوع، واستغرق مدة طويلة في طلب غوامضه، وهو الذي اكمل الترياق الفاروق بما زاده فيه من المفردات وذلك باجماع الاطباء).
ويرى الكثير من الباحثين في مجال العلوم الطبية أن أبا عبدالله محمد بن احمد بن سعد التميمي دقيق الملاحظة شديد الحرص على تحضير الأدوية المفردة بأنواعها المختلفة، وبهذا فهو بحق يمثل العالم الفذ الذي يدرس بكل دقة وأناة وموضوعية إنتاج زملائه المعاصرين له والمتقدمين عليه في صنع الأدوية المفردة التي كانت منتشرة بين الناس، وعرف ببعده عن الأهواء الذاتية الى حد كبير، حيث كان حياديا عندما يتكلم عن الموضوعات العلمية، والحق انه كان عالما متواضعا، عرف بأناته في الحكم، فعندما يريد أن ينتقد صيدليا او طبيبا لا يغفل ابدا محاسنه، وهذه صفة العلماء الكبار.
اتبع ابو عبدالله محمد بن احمد بن سعد التميمي في مؤلفاته جميعها الاسلوب المنهجي الشامل، لذا صار لمؤلفاته العديدة والمتنوعة اثر عظيم على طلاب العلم ليس فقط في العالم الاسلامي ولكن في جميع ارجاء المعمورة، ومنها: كتاب الترياق، وكتاب في مهبة الرمد وانواعه واسبابه وعلاجه، وكتاب الفحص والاخبار، وكتاب المرشد الى جواهر الاغذية، وكتاب حبيب العروس وريحان النفوس في الطب (مجلدين) وكتاب مادة البقاء في اصلاح فساد الهواء والتحرز من ضرر الاوباء (عدة مجلدات) صنفه لوزير المعز والغريز ويعقوب بن كلس بمصر وكتاب منافع القرآن الكريم، وغيرها كثير.
يقول صلاح الدين خليل بن ايبك الصدفي في كتابه الوافي بالوفيات (الجزء الثاني):(كان الطبيب محمد بن احمد بن سعد التميمي بالقدس اولا ونواحيه، وله معرفة جيدة بالنبات وماهياته، وكان متميزا في الطب والاطلاع على دقائقها، وله خبرة فاضلة في تركيب المعاجين والادوية المفردة، واستقصى معرفة الدرياق الكبير الفاروق وركب منه شيئا كثيرا على اتم ما يكون، وانتقل الى مصر واقام بها الى ان توفي، وكان قد اجتمع بالقدس براهب يقال له انباز خاما من ثوابة كان يتكلم في اجزاء العلوم الحكمية والطب، وكان في المائة الرابعة فلازمه واخذ عنه فوائد، واختص التميمي بالحسن بن عبدالله بن طفج المستولي على الرحلة ثم ادرك الدولة العلوية بمصر وصحب الوزير يعقوب بن كلس، وصنف له كتابا كبيرا من عدة مجلدات أسماء (مادة البقاء بإصلاح فساد الهواء والتحرر من ضرر الوباء).(وهكذا كانت صلاته قوية مع ولاة الأمر في عهده لكي تنتشر المدارس والمكتبات في بلده.
وخلاصة القول يندهش الباحث من ضخامة انتاج بعض علماء المسلمين وما تحتويه مؤلفاتهم من مبتكرات ونظريات وآراء علمية دقيقة، وهذا نتيجة دراستهم العلوم جميعها للعلم وليس لاهداف اخرى، لأن هدفهم الأول والأخير الكشف عن الحقيقة العلمية والوقوف عليها وابرازها لطلاب العلم ليس فقط في العالم الاسلامي ولكن في جميع ارجاء المعمورة، والثابت ان ابا عبدالله محمد بن احمد بن سعد التميمي كان يرى في البحث والاستقصاء لذة هي احسن انواع اللذات، وغذاء للعقل السوي افضل انواع الاغذية، والحق ان صاحب الترجمة عمل اعمالا جليلة ادت الى ارتقاء المدنية وازدهارها في العالم الاسلامية، فلله دره.