علمني الإنسانية
كانت تقول: «اللي تأخذين منه عطية وزيديه بطيب خاطر».. فكنت أسير على تلك الجملة لمجرد أنها أمر حتى نضج ما برأسي وعلمت ما هي معانيه بصدق لأطبقها محبة لا بالإجبار.
وقال لي: «قلبك يا بنتي منفعة للناس ما هو بمضره»، فابتسمت ابتسامة تساؤل، هل القلب آلة ينتفع بها الناس؟.. تجيبني صدمات الزمن بصوت قاس يخرق مسامعي الطفولية فتنبت بداخلي مجموعه تساؤلات علمت بعدها بأن مسماها (العواطف)، فعاطفتي هي ملك لأناس أهديها لهم بعد أن تتكون بأجمل التصاوير وتتحلى بحلي وأساور من الأخلاق. فالفقير، تبتل أجوافه المتقرحة من طعنات الزمن بمدة قلبي قبل يدي ...
واليتيم ، تأمن مخاوفه بحنان قلبي قبل أن يشعر بدفء يميني...
والصديق ، يهنأ بيومه بعد أن ضاقت مسالكه لأكون عضيده قبل أن تتحدث جروحه ...
وفي حصص الحديث والتوحيد قالت : ( عيشوا بإنسانية كما عاشها نبيكم المصطفى صلى الله عليه وسلم ).
فأخذت أقلب الصفحات وأناملي كلها شوق وعيوني تنتظر عبارات ومواقف
فآخذها إلى حنايا لأسير بها البقاع ... والأمل يزهر والحب يمطر...
فأقف أمامه وما أملكه ينتثر تحت قدميه ... وكلي رجاء أن تسره
لأجد عبوس تفاصيله ... تدفع الرصاص إلى ( عواطفي )
فالنكران كان المقابل ... والمصلحة كانت طريق شائك ...
لتخار قواي فجأة أمامه وهو يقول : هذه هي الإنسانية المتحضرة ...
منتهى عيسى المزيعل - الأحساء
فقراء لا يريدون صدقات!!
من الأشياء الجميلة التي شهدناها في رمضان أن بعض المراكز الخيرية تقيم مأدبة رمضانية تدعو إليها نخبة من المشايخ ورجال الأعمال والشخصيات الاجتماعية والفقراء والأيتام، وقد شرعت بعض المراكز بهذه المبادرة منذ سنوات عدة ولاتزال مستمرة عليها إيمانا منها بما تحققه من أهداف إنسانية سامية و نتائج معنوية ومادية تعود بالنفع على المركز ولمن يكفلهم برعايته من فقراء وأيتام.
إن من الأهداف والغايات النبيلة التواصل المستمر بين المركز الخيري و مختلف شرائح المجتمع من خلال هذه المأدبة السنوية لإطلاعهم على التقرير السنوي وأهم المنجزات التي تم تحقيقها خلال العام المنصرم من مشاريع مادية ومعنوية وأنشطة اجتماعية لكي يقوم كل من الحاضرين بدوره الفاعل من ناحية استمرارية الدعم والعطاء وإيصال الرسالة لأفراد المجتمع.
ومن الأهداف السامية التي لا ينبغي إغفالها على هذه المائدة الاستفادة والتطبيق العملي لما ورد من دروس تربوية في سيرة المصطفى العطرة -صلى الله عليه وآله وسلم- عندما أتى ذلك الفقير وجلس على مقربة من رجل غني فلملم الغني ثيابه وتنحى عنه بطريقة تنم عن الاحتقار, فنظر إليه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- وقال: أخشيت أن ينتقل غناك إليه أم فقره إليك؟ فأدرك الغني سوء عمله وتصرفه معترفا بخطئه مديرا وجهه إلى الفقير قائلا: إني أهبك نصف مالي فما كان من ذلك الفقير إلا أن رفض المال قائلا له: أتريدني أن أصبح غنيا فأصنع مثل ما صنعت؟ فأتكبر على الفقراء؟
إنها فرصة ثمينة ليمتحن المرء نفسه على هذه المائدة الرحمانية التي تضم ما لذ وطاب من الأطباق الإيمانية والأخلاقية ليكسر كبرياء وغطرسة هذه النفس الأمارة بالسوء، ويتنازل عن حب الذات، ويذوب في محبة إخوانه الفقراء والمحتاجين والأيتام، ويتنازل عن عباءته وعن الرغبة في الجلوس بجانب خلّه. إنها فرصة ليتواضع ويجلس مع من قهرهم الفقر والعوز ليعانق ثوبه ثوب الفقير المحتاج، وتمتد يده إلى نفس الطبق، و يكون أبا رحيما لذلك اليتيم الذي فقد والده، ويستشعر ولو لدقائق معدودة مرارة العيش الذي يعانيه إخوانه متجاهلا غناه وعلمه متمثلا بقول الله تعالى : «إن أكرمكم عند الله أتقاكم».
حتما سيكون لهذه القيم العالية والمبادئ السامية وقع في نفوس الفقراء والأيتام للرفع من معنوياتهم ليشعروا بأن الدنيا مازالت بخير بوجود أهل الخير من متطوعين ومن مدعوين بذلوا أنفسهم وأموالهم وضحوا بأوقاتهم في سبيل راحتهم ومساندتهم والرفع من مستواهم المعيشي. فالفقير إنسان له كيان ومشاعر وأحاسيس يبحث عن الابتسامة، يبحث عن الكلمة الطيبة، يبحث عن الدعم المعنوي قبل الدعم المادي الذي قد لا يحصل عليه أحيانا إلا بذل المسألة.
ومن الأهداف التي يمكن تحقيقها مبادرة بعض رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات وتكفلهم بتأهيل مجموعة من الشباب والفتيات وتوفير وظائف لهم تغنيهم عن ذل المسألة كما ورد من قول الحسن بن علي رضي الله عنه لذلك الفقير: نـحـن أنـاس نـوالـنا خضل
يـرتـع فيـه الـرجـاء والأمـل
تـجود قبـل الـسؤال أنـفسنـا
خـوفاً على مـاء وجه من يسل
عبدالله عباس الحجي