اطلعت قبل أيام على إحصائية تشير إلى أن أكثر من 40% من المتقاعدين يسكنون في بيوت مستأجرة؛ ما يعني أن سنوات خدمتهم الطويلة لم تشفع لهم في الحصول على مسكن يضم أسرهم وهم في نهاية عمرهم المهني.
لكن الأغرب من ذلك في وجهة نظري أن يفقد الموظف ثلثي دخله الذي تعود عليه بين يوم وليلة، (بسبب التقاعد سواءً كان اختيارياً أو إجبارياً) خاصة إذا ما كان من ذوي الدخل المحدود، وكأنه يدفع ضريبة استمراره في عمله لسنوات طويلة من الإخلاص والتفاني، وتحمل العمل في نظام صارم ومحاط بالمخاطر.على رأس قائمة المتقاعدين الأكثر تضرراً العسكريون (خاصة الأفراد من غير الضباط) وبلا شك يقف على رأس قائمة المتقاعدين الأكثر تضرراً العسكريون (خاصة رتب الأفراد من غير الضباط)، حيث إن وضعهم أكثر تعقيداً من باقي موظفي الدولة، فمن ناحية هم يعانون من أن البدلات خارج الراتب الأساسي وغير المحسوبة ضمن البرنامج التقاعدي تعادل 50% من إجمالي الراتب الشهري الفعلي الذي يتم استلامه.
ومع هذا فإن العسكريين من أكثر الوظائف مشقة وصعوبة في استكمال سنوات التقاعد التام، والذي يحصل بموجبه على راتب كامل (بعد خصم البدلات)، إما بسبب عمر الملتحق بالوظيفة أو إحالته لمصلحة العمل للتقاعد المبكر أو عجزه عن الاستمرار بسبب ظروف العمل التي تزداد صعوبة مع التقدم في العمر، وهو ما يعني أن العسكريين غالباً ما يتقاضون بعد تقاعدهم ما لا يزيد عن ثلث رواتبهم السابقة.
وبحسب نظام التقاعد العسكري يستحق الموظف معاشاً تقاعدياً، عند: (بلوغه السن المحددة للإحالة على التقاعد نظاماً، شريطة إكمال سنة التجربة، ومن انتهت خدمته ولديه خدمة فعلية عسكرية محتسبة لا تقل عن (18) عاماً أو بلغت خدمته الفعلية العسكرية والمدنية (20) عاماً، على ألا تقل الخدمة الفعلية عن ثماني سنوات، والمحال على التقاعد المبكر بناء على طلبه ولديه خدمة لا تقل عن (١٥) عاماً، منها ثماني سنوات قضاها في الخدمة العسكرية، شريطة موافقة الوزير المختص).
ومن بين الحالات التي حددها النظام: (من أنهيت خدمته لمصلحة العمل وفقاً لأنظمة الخدمة العسكرية ولديه خدمة لا تقل عن 15 عاماً، على ألا تقل الخدمة الفعلية العسكرية عن ثماني سنوات، شريطة ألا يكون إنهاء الخدمة بسبب الغياب أو بحكم تأديبي أو تم إنهاء خدمته بقوة النظام لارتكابه جريمة من الجرائم، وكذلك المتوفى بدون سبب العمل، أو من أنهيت خدمته لعدم اللياقة الطبية، إضافة إلى من يصاب بعجز جزئي أثناء العمل وبسببه، والمتوفى أثناء العمل وبسببه، ومن يصاب من العسكريين بعجز كلي أو جزئي بسبب العمليات الحربية أو بسبب الأسر).
وكما هو معلوم فإن المدد التي يقضيها الموظف لا تحسب صافية في خدمته إذ أن آلية احتساب التقاعد تستبعد، المدد غير النظامية مثل الغياب فيما عدا الإجازة السنوية، والإجازة دون راتب ما عدا المرضية والدراسية، ومدة الحرمان من الراتب لأسباب نظامية.
ولهذه الكيفية التي يعمل بها نظام التقاعد للعسكريين فإن الموظف يجد نفسه يتقاضى راتباً شهرياً بين 3000 ريال و5000 ريال وهو يعول أسرته، ولا يمتلك مسكنا، وفي ظل استمرار التضخم السنوي للأسعار، واعتياده وعائلته على مستوى معين من الصرف طوال سنوات ماضية، كانت تتناسب آنذاك مع دخله السابق.
وحتى القروض البنكية والتي يمكن أن توفر ملاذاً في الأزمات، تظل غير متاحة في ضوء احجام البنوك عن تمويل المتقاعدين خاصة العسكريين منهم، ما يزيد من معاناتهم، بينما لا توفر العسكرية حالها في ذلك حال القطاع العام التأمين الصحي الذي قد يقلل شيئا ما من المصروفات التي تتكبدها الأسر.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن خطط التنمية الوطنية والموازنات السنوية تعكس اهتمام الدولة بالقطاع العسكري، وتطويره لمواجهة التحديات المحيطة بالأمن القومي، فإن من المنطقي تحسين بيئة العمل للعسكريين لاستمراره كقطاع جاذب لتوظيف المواطنين من جهة، وقادر على توفير الحياة الكريمة لمنسوبيه أثناء الخدمة وبعد نهايتها.
ولكون الموظف العسكري في بعض القطاعات يمتلك صلاحيات في الفصل في المنازعات والتحقيق، كان من الضرورة أن يتناسب دخله وتأهيله الحرفي مع هذه المتطلبات والمغريات والمخاطر التي تواجهه أثناء عمله، وأهم من ذلك إحساسه في الاطمئنان تجاه مستقبله وأسرته بعد التقاعد.
من جهة أخرى أتمنى لو أعطي المتقاعدون (وخاصة العسكريين) مزيداً من النقاط في آلية الاستحقاق التي طرحتها وزارة الإسكان، لتعويضهم عن تدني الدخل بعد التقاعد وصعوبة حصولهم على التسهيلات البنكية، إضافة إلى النقاط الأخرى المتمثلة في السن والحالة الاجتماعية والدخل وغيرها.
كما أن تمرير نظام تبادل المنافع بين نظامي التقاعد المدني والعسكري ونظام التأمينات الاجتماعية، والذي لا يزال عالقاً في مجلس الشورى، قد يمثل بصيص أمل لشريحة من العسكريين الذين يريدون استكمال حياتهم الوظيفية في قطاعات أخرى لاستفادة خيارات أخرى غير متاحة لهم.
وفي كل الأحوال لا بد من إعادة النظر في حال المتقاعدين إجمالاً، والعسكريين على وجه الخصوص ودراسة أسباب عدم قدرتهم على توفير مسكن لأسرهم، وهل تكفي رواتبهم التي خرجوا بها من بوابة الوظيفة لسد حاجاتهم؟