(هزيمة ألم) مجموعة (نصوص سردية) للكاتبة والقاصة السعودية رباب حسين النمر، صادرة عن (دار مدارك) للنشر ببيروت سنة 2012م، بالاشتراك مع (النادي الأدبي الثقافي) بمنطقة تبوك. ويعتبر هذا الإصدار هو الإصدار الثاني المطبوع والمنشور للكاتبة بعد إصدارها مجموعتها السردية الأولى الموسومة بـ (اللوحة الأخيرة) سنة 2007 م.
وتتألف هذه المجموعة من حوالي 15 نصاً سردياً جاءت متنوعة بين (القصة القصيرة) و(القصة القصيرة جداً) و(الخاطرة).
ومن يقرأ نصوص هذه المجموعة بتروٍ، ويعيد النظر في مسماها (هزيمة ألم)؛ يجد أنها عبارة عن (ردة فعل) انطباعية واجتماعية ونفسية، ترسم العلاقة الفعلية القائمة بين الفرد والمجتمع، وتحدد أطرها، وتلك العوامل المتبادلة بين الطرفين، وأهم الجوانب المؤثرة فيها إيجاباً أوسلباً.
إنها مقاومة الإنسان المستميتة، وكفاحه المرير من أجل البقاء، والحياة حياة كريمة في مجتمعه - كما يدل عليه عنوان المجموعة- ليهزم كل التحديات المحدقة به، ومواجهة ظروفها الصعبة بصبر وجلد وتفاؤل، ليعيش حياً كريماً على الأقل في مجتمع لا بد أن يحترم وجوده كفرد من أفراده.
ويؤكد ذلك أن الكاتبة قد خصت بإهدائها عملها هذا (كل النازفين وجعاً والمتأوهين ألماً والمغتربين عن حضن وطن) كما ورد في صفحة الإهداء ممهوراً بتوقيعها.
لقد تميز أسلوب الكاتبة لدى تناولها الفكرة وطرحها ومعالجتها بالبساطة، والبعد عن التعقيدات الفنية للنص السردي، وهو أقرب ما يكون للمباشرة، خاصة في قصصها القصيرة التي وردت في أول صفحات المجموعة مثل (هزيمة ألم) (وانتظار) و (الرمانة)، وغيرها، إذ ركزت الكاتبة هنا وفي هذا الجزء من مجموعتها على أن يكون الحدث وزمانه ومكانه وشخوصه مترابطاً ومتسلسلاً تسلسلاً منطقياً وطبيعياً، فكلما اتجه السياق العام للحدث نحو نقطة معينة وتكثفت مضاعفاته، وتصاعدت وتيرته، وكاد يبلغ ذروة تعقيده؛ تدخلت الكاتبة -بطريقتها- في انفراج أزمته سواء شعر القارئ بذلك أم لم يشعر به مباشرة، وذلك حسب ما تمليه العوامل المؤثرة تأثيراً أساسياً في المشهد السردي وتحوله من مسار إلى آخر.
(أجد نفسي ممدداً فوق السرير أشعر بوخز في كفي، لا أقوى على تحريكها، يمتد حبل شفاف طويل، يرتفع قليلاً قليلاً حتى يصل أعلى زجاجة شفافة ممتلئة بسائل شفاف، معلقة فوق حامل معدني، يتدفق الماء قطرة قطرة.. تسندني يد حانية أعرف دفئها جيداً، طبعت على جبيني قبلة عطوفة ورسمت في عيني ابتسامة عذبة..
- حمداً على سلامتك حبيبي..
- أين أنا يا أمي؟
- أنا معك صغيري لا تخف.. كل شيء سيكون على ما يرام). (1)
أما في (القصص القصيرة جداً) و (الخواطر) التي تضمنتها المجموعة فقد كانت لغة الكاتبة مركزة ومكثفة جداً، أشبه ما تكون بـ ( ومضات) أو (فلاشات) تصف جانباً معيناً قد يكون جزءاً من حالة عامة.
لكن ليس من الضرورة أن تكون لها بداية ما، ولا حتى نهاية معينة، وإنما قد تكون حلقة مفردة اختارتها الكاتبة من سلسلة متكاملة لأحداث معينة، ليس من الضرورة إيرادها كاملة.
ومثل هذا نجده في نص قصصي قصير جداً، لا يتجاوز ثلاثة أسطر أو أربعة بعنوان (انزياح).
(في ازدحام الخلق أدفع أمامي عربة طفل.. اصطدم بأقدامهم.. كم تمنيت أن يشاركني دفع العربة وهو ماضٍ بمعية هاتفه المحمول.. لم أستطع به لحاقاً.. وزحام الخلق يبتلعني). (2)
أما أبرز نصوص المجموعة، والتي أرى -من وجهة نظري الشخصية- أنها قد تميزت عما سواها من النصوص الأخرى فهي تلك النصوص المعنونة بـ (جنون) والتي قامت الكاتبة بتقسيمها على نفسها إلى خمسة أقسام: ( جنون1، جنون2، جنون 3، جنون 4، جنون 5) وهي تتسم جميعها بطابع أنثوي ونفس (نسائي) صرف، وتدور كلها في عالم المرأة داخلياً مع ذاتها وخارجياً مع محيطها.
ولعل هذا هو أحد أسباب تفرد هذه النصوص عن سابقتها ولاحقتها بوضوح الرؤية ومصداقيتها، لكون المرأة هي محورها الرئيسي، وهي أيضا المتحدثة -في الوقت ذاته- عن نفسها عبر هذه النصوص.
وليس هناك أصدق من المرأة حين تتحدث عن نفسها وبنات جنسها بشفافية، وبطريقة تختلف فيما لو كان الكاتب أو المتحدث رجلاً، إذ انه لا بد من شعوره بقصور ملكته الكتابية دون الإبحار في عالمها الأنثوي وتقمص شخصيتها ومعرفتها على حقيقتها، مهما أوتي من بلاغة التعبير ومهارات الكتابة!!.
ورغم ذلك كله فإني أتساءل هنا.
لماذا ربطت (رباب النمر) بين المرأة والجنون؟
تُرى... ما سبب ذلك؟! لماذا خصت المرأة بالجنون دون الرجل؟.. ما المقصود بـ(الجنون) تحديداً في هذا الموضع من المجموعة؟
سيظل جزء من الإجابة على مثل هذه التساؤلات معلقاً على لسان الكاتبة وقلمها، بينما الجزء الآخر نستحضره -نحن- كثيراً في أذهاننا من ثقافتنا العربية، وبإمكاننا استلهامه من تراثنا الشعبي في كثير من المقولات والحكم والأمثال الدارجة على ألسنتنا مثل: "مجانين العقلاء أو عقلاء المجانين" و"الجنون فنون" و"بين العقل والجنون شعرة" وغيرها من المقولات التي تربط بين فلسفة العقل، وجنونه الفني!.
بقي أن أطرح سؤالاً آخر على الكاتبة: هل (هزيمة الألم) تعني -بالضرورة- الانتصار عليه انتصاراً كاملاً كفيلاً بالقضاء عليه تماماً من حياتنا؟ أم لا؟ وكيف؟
أعتقد أن المعركة بين الإنسان وآلامه في الحياة ستظل سجالاً ما دام حياً، ومن الصعب تحديد نتيجتها النهائية بانتصار أحد طرفيها أو هزيمته على أي حال!! وخلاصة القول هنا، هو أن أقل ما يمكن أن أقوله عن هذا العمل السردين إنه (جيد) على الرغم من عدم خلوه من بعض الأخطاء المطبعية واللغوية البسيطة، التي ربما فات على الناشر ملاحظتها وتصحيحها قبيل الشروع في عملية الطباعة النهائية للمجموعة ونشرها.
وهذه ملاحظة أضعها -بأمانة- بين يدي الكاتبة؛ لاستدراك هذه الأخطاء فيما لو فكرت في إعادة طباعة مجموعتها للمرة الثانية مستقبلاً.