في قضية نزع أجهزة التنفس عن المعتلين دماغيا، يتملكني عجب شديد ممن فكروا في ذلك وهم قد ألهمهم الله عقلا وفكرا وأعلم أن لهم من التدبير ما يمكنهم من استجلاب الخير والنفور من المكاره وأرى أنهم، يتأثرون بآراء من تغلب عليهم أنفسهم من باب الانتصار للنفس وتعزيز الذات، وحماية ما هم عليه في أمر لم يحسمه مجلس هيئة كبار العلماء وأن له حسما والذي أعلم أن في علمائنا الخير والنور والبركة.. ويؤلمني أكثر توجههم الذي قد يكون لغلبة من حولهم وتدافع الانفس عليهم، ووهجان الإعلام الذي قد يشتت الفكر ويدفع بالسالك من أصحاب المصالح إلى الجانب الآخر في هفوة نفس وشتات فكر، آن له أن يجتمع فالرجوع الى الحق فضيلة لا يعرف لها بابا إلا من خُلِقوا كبارا ونخال قومنا إن شاء الله منهم. ورهبة الحدث وجلال الموقف تزداد لها أركان الجسد ارتعادا إذا كان الأمر هو ما جئناهم به في حرمة من الحرمات، وهي حرمة النفس البشرية والتي هي أنا وأنت ومن تشمله شفقة قلوبنا من الرحم والأحبة والخلان، بل هي الأجيال من بني الإنسان.
والمأمول من علمائنا الأفاضل الاستبشار بالعلوم الجديدة التي تطرد الفكر المغاير، وتستقيم مع ما في كتاب الله وسنة رسوله من حق مبين في أمر إنهاء الحياة البشرية لمرضى غياب وظائف الدماغ، والذين اسُتخدِموا مستودعا للأعضاء التي يمثل كل واحد منها حرمات على حرمات، ولقد حرصنا على هذا الأمر وثبتنا على الموقف، فهي العقيدة التي يموت عليها الانبياء ويبتلى فيها من أراد المولى عز وجل له أمر في هذا. وما ننكره بفصاحة وبيان لا لبس فيه ولا غموض هو أن فتاوى نزع أجهزة التنفس عن المعتلين دماغيا لم يجرؤ عليها أحد من المتقدمين من خيار السلف، بالوصف الذي تعملون به بل إن السلف في عصور الطب البدائي أصابوا الحجة على ضحالة علم الطب في ذاك الزمان، مقارنة بما هو عليه اليوم، وما ذلك إلا لتعلقهم بالثوابت. وهكذا فعل العلامة ابن باز وكذا كان تقرير صاحبه الذي أصاب وأروى العلامة ابن عثيمين.
والأمر في ما يراه العقلاء من غير تضييق فكري يؤخذ بأصوله التي أنتم أعلم الأمة بها، فلا يزول يقين بشك والحياة يقين وما يبني عليه البعض هو شك في أقوى أحواله، ونقسم بالله إنه ليس بشك عندنا، والأمر أوضح من أن يوضح لطبقاتكم من الرجال. والامر القائم حاليا للفتوى التي يبنى عليها نزع أجهزة التنفس عن هؤلاء المرضى في حاجة ماسة جدا للمراجعة والحيطة والاحتراز، حتى قبل الرجوع عن الفتوى الحالية؛ لأننا نعلم يقينا كما أنكم تعلمون الغياب التام للثبوت القطعي لانتفاء مصلحة الفريق المقرر لنزع الأجهزة بموت هذا الرجل أو هذه المرأة، وما يترتب عليه في حكم الشرع من تزويج الزوجة وانتقال الإرث، وهو أمر حضر لا شك لدى كل من امتنع عن إقرار نزع الأجهزة من العلماء الأفاضل، والذين نحسبكم منهم لظننا الحسن بأنكم تدفعون بالرأي القائل: الحق أولى أن يتبع وإن تأخر بكم القرار، واتساع دائرة العلم منارة للجميع كل في تخصصه للأخذ بالحق في حيطة وأناة تليق بكم أيها الأفاضل، ومن هم في سدتكم من العلم والفضل يؤمنون بأن هؤلاء مرضى وليسوا بموتى، وهؤلاء المرضى يقول فيهم سيدي وسيدكم محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ له ما كان يعمل صحيحا مقيما» رواه البخاري. فمن أيها السادة يجرؤ على قطع عمله ونزع روحه عمدا، ومن نفخ الروح في ذاك الجسد أولى وأعلم متى يرفعها، لا أن ينزعها الأطباء متسترين بفتوى طال عليها الزمن، ونافحتها أدوات العلم الحديث ونقضتها التجارب الحية للمرضى في السعودية وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وأماكن كثيرة من العالم التي غطت السماء بالحجج، وهي على عظمها وبلوج حقها لما بين أيديكم من كتاب وسنة لمكانة هذا القلب الذي رضيتم بكونه مضخة للدماء على نقيض ما في كتاب الله، كان ليكفيكم تسرع المتعجلين من الاطباء ولكن {ومَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} وموقف سماحة المفتي الواضح في هذا الشأن بتصريحه في ٢٥ جمادى الأولى العام ١٤٣٣هجرية، بأن الموت الدماغي لا يُعد موتاً إلا بتوقف القلب والتنفّس، حري باجتماعكم لتنيروا الدرب وتنقذوا النفس التي علت حرمتها حرمة الكعبة الشريفة، فهذا يمين وذاك نفار ومنكم جلاء آن له أن يزيح ظلمة طال بها الأمد.
* عضو شرف الجمعية العالمية للكوارث الكونية (ميونخ-ألمانيا)