لو عادت الأيام بالشاب "ا . ع " إلى الوراء قليلاً لاختلف وضعه كثيراً عمّا هو عليه الآن، ولا شك في أن من يتحدث إليه ويسمع الكثير من زفراته يدرك حجم الألم والندم الذي يعيشه داخل أسوار دار الملاحظة بالدمام .
قصة لا تختلف كثيرا عن باقي القصص داخل الدار ، تتشابه جميعها في البدايات والنهايات، إلا أنها حكايات مبللة بدموع الندم، لأن أصحابها لم يكونوا على وعي بما أقدموا عليه من سوء، وأن نهاية المطاف ستكون هنا .. "اليوم" انتقلت الى دار الملاحظة بالدمام ونقلت شهادات حية من حكايات الانحراف والتوبة .
قضية أخرى , بطلها قرين السوء وضحيتها « أ. ع » وهو شاب لم يبلغ من عمره 16 سنة أصبح متعاطياً للمخدرات ، لم يتركه أصدقاء الشهوة وشأنه ، بل زينوا له الباطل وأغروه بالمال والشهوة إلى أن بين أروقة دار الملاحظة . يقول الضحية : عشت في أسرة لديها المال وكان والدي مشغولاً عنا بتجارته ورغم ذلك لم يقصر معنا في شيء فكان المال متوفراً ، إلا أنني اقترنت بزملاء دراسة زينوا لي الباطل وأوهموني بأني بطل لا ينقصني سوى تجربة الشجاعة حسب زعمهم . ولا أنسى كلمات أحد أساتذتي حينما قال لي : لا تكن ضحية لزملائك ، ورغم النصائح المتكررة سواء من أساتذتي أو من والدي، إلا أنني لم أكن ألقي لها بالاً بل أعتبرها تدخلات سافرة في خصوصياتي ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لأعملت عقلي بدلاً من شهوتي ولقدّمت كلام أمي المليء بالشفقة والحنان على كلام زملاء السوء وأرباب الفكر الدنيء ، ولو علمت بأن نهاية بطولتي ستشوه سمعتي وستدخل أمي المستشفى لهربت من تلك المسالك المظلمة.
علاقات مشبوهة
ويروي الضحية قصته قائلاً : كنت أذهب إلى المدرسة بشكل منتظم ليس حباً في الدراسة وإنما نظراً لوجود بعض العلاقات الغرامية بيني وبين أحد الطلاب ، وكان زملائي يصوروني بأنني البطل في المدرسة ذلك لأن المال متوفر لدي ، وكم كنت أتظاهر بالرجولة والبطولة أمام زملائي في المدرسة . أما حياتي خارج المدرسة فقد كنا نجتمع في إحدى الاستراحات ويحضر بعضنا الممنوعات من الحبوب والشراب، وكنت أتعاطى الحبوب بشكل دائم، وأغري بها بعض زملائي كنوع من إثبات الرجولة في المدرسة وحتى في الاستراحة . ولا شك في أنني في هذه الفترة كانت أسرتي تلاحظ علي التغير وكثرة الخروج من المنزل وعندما أعود إلى المنزل فإنني أنعزل في الغرفة وأقضي قرابة اليوم الكامل في النوم ، ولا أتقبل من أي فرد من أسرتي أن يسأل عن خصوصياتي أو يخوض في تفاصيل حالتي سواء الإرهاق أو التعب أو كثرة النوم . كما كنت حريصاً على ألا يزورني والدي في المدرسة رغم كثرة الاستدعاءات التي تأتيني من المدرسة تطالب بضرورة إحضار والدي.
لعنة المخدرات
وعن ساعة الصفر التي نقلته إلى الدار يقول : في ذات صباح كنت على موعدٍ مع زميل لي كي أعطيه الحبوب المخدرة، إلا أن الجهات الرقابية كانت لي بالمرصاد ، حيث ألقوا القبض علي وعلى زميلي وأحالونا للشرطة، ومن ثم إلى دار الملاحظة. ويضيف : حملت أغلب القضية بحكم أنني أغريته بالنشوة وزينت له الباطل، أما زملاؤه فيقول عنهم الشاب الضحية : للأسف الشديد عندما علموا بالقبض علي تخلوا عني وأصبحوا لا يعرفونني وهأنا قاربت على الخروج من الدار ولم يأت أحد لزيارتي ، ولعل هذه القضية التي مر بها الشاب «أ.ع» أوجعته كثيراً .
حيث لم يتمالك الشاب نفسه من البكاء خصوصاً أن أسرته قد تأثرت كثيراً جراء هذه القضية سواء والده أو والدته وحتى إخوته، وعن والدته التي مرضت ونومت في المستشفى جراء القبض عليه يقول الشاب : في بداية القضية طلبت من والدتي عدم زيارتي لأني لا أستحق ذلك، إلا أن أسرتي أخبرتني بأن والدتي قد تنومت في المستشفى بعد أن اكتشفت حقيقة القضية .
أما والد الشاب فقد وصفه ابنه النزيل بالقلب الكبير وموطن الرحمة وعنوان الحب ، وعندما سألناه عن ذلك قال : ما زال موقف والدي مني في قسم الشرطة عالقاً في ذهني ولن أنساه ، حيث جاء لمعرفة القضية ووجدني أبكي ، فقال لي : إذا كنت تبكي الآن فأنا كنت أبكي طوال فترة ضياعك وكان بكائي أشد ألماً منك ، ولكم أن تتخيلوا هذه الكلمات من أبٍ يجد ابنه مقبوضا عليه في قضية مخدرات!
وقد سأل والدي مسؤولي الشرطة فأجابوه بأن القضية مؤكدة وأن ابنك سوف يحال إلى دار الملاحظة كي يستكمل التحقيق ويتلقى الحكم، فقال والدي : أسأل الله أن يجعله خيراً مما هو عليه!
درس أتعلم منه
وبالفعل، هأنا وإن كنت أودعت في دار الملاحظة إلا أنني أرى ما أصابني خيرا من الله - عز وجل - ودرساً أتعلم منه خصوصاً أنني في مقتبل العمر . وعن خلاصة تجربته في المخدرات يقول الشاب : نصيحة لكل أم وكل أب أقدمها من خلال تجربتي المؤلمة في هذا الطريق المظلم : إذا رأيتم ابنكم انطوائياً وكثير النوم ، فابحثوا عن السبب فربما تكون المخدرات أحد الأسباب ، وإذا لاحظتم خمولاً واضحاً مجهول الأسباب على ابنكم فابحثوا عن السبب فقد تكون المخدرات أحد الأسباب .
وأنصح الأسرة بأن تتابع زملاء الابن وأن تنتقي الزملاء الأكفاء، ولا شك في أن المحافظة على الصلاة أحد أهم الأسباب التي تعطي مؤشراً على صلاح الشاب، وأقول لكل شاب : لا تكن لقمة سائغة في أفواه أبناء الحرام ، ولا يخدعك قرين السوء ويزين لك الباطل ويغريك بـ "الوناسة" فالوناسة تجدها عند والديك وفي مسجدك ومع إخوتك .
وإن كنت تشعر بالسعادة في بداية مجاراتك صحبة السوء، إلا أنها مؤقتة وحتماً ستنتهي بالسجن ، ويقول: لقد آلمني كثيراً حديث أخي عندما زارني في الدار حيث يقول : كنت كثيراً ما أنصحك بأن تكون مثل أحد أبناء الجيران الذي كان يدرس معي في نصف القاعة الدراسية وها هو ذلك الشاب التحق بكلية الطب في الجامعة، وأنا بقيت أتجرع الحسرة والندم في دار الملاحظة .
وعن الدروس التي تعلمها في الدار يقول الشاب : الحمد لله على كل حال ، فربما أراد لي الله - تعالى - خيراً من وجودي هنا، مضيفاً أنه لم يعرف الصلاة منذ المرحلة الابتدائية إلا بعد أن دخل الدار .
فقد أصبح حريصاً على الصلاة ، بالإضافة إلى حفظه عددا من سور القرآن الكريم، وأضاف : لقد واصلت دراستي في الدار ، وأيقنت أنني لا أزن شيئاً دون التحصيل العلمي ومواصلة الدراسة والحصول على الشهادة الثانوية . وهأنا منتظم في دراستي وتقديري الدراسي العام ممتاز ، ويضيف قائلاً : لن أجعل من هذه القضية حجر عثرة في طريق تحقيق طموحي ولن أستسلم للحسرة والندم ، وأنا عاقدٌ العزم على أن أجعل من هذه القضية وقفة للتأمل والتغيير في مسار حياتي .
وعن قضاء وقته في الدار يقول الشاب «أ.ع» : تعودت على استغلال وقتي في القراءة والاطلاع ، وقد التحقت بعدد من الدورات في الدار سواء في الحاسب الآلي ، أو في دورات تطوير الذات ، وقد وجدت الدار مهيأة لأن أمارس فيها هواياتي مثل الرسم على اللوحات الكبير والجدران .
ويقول أيضاً : هناك العديد من الأنشطة في الدار فأنا أحرص على ما يمكن أن تفيدني بشكل أكبر لا سيما فيما يتعلق بالدورات التي لها علاقة بتطوير القدرات ، وعن البيئة التي يعيش فيها داخل الدار .
يقول : لا شك في أن كل نزيل يعيش هنا قد مر بتجربة مؤلمة ، ولا أظن أن أحدٌ هنا عاش لحظات من الحسرة والندم ويريد الإقدام على ما من شأنه إرجاعه إلى أسوار الدار ، وقال : إن البيئة موحشة لأنها دون والديّ ودون حريتي ودون إخوتي، وقد تشوهت سمعتي كثيراً ، أما الخدمات المقدمة من مسؤولي الدار فهي للأمانة خدمات مميزة حيث نلمس منهم الحرص والعطف والاهتمام .
أحداث أثناء دورة الكهرباء
الترفيه لا يغيب عن برامج دار الملاحظة
يتعلمون في دورة للتكييف والتبريد