المنطقة الشرقية من أقصاها الى أقصاها لها جاذبية خاصة.. فالكلّ من أقاصي الوطن من شماله لجنوبه ومن أوسطه لآخر حدوده مغرم بها منذ عشرات السنين كان الآباء بل الأجداد يجدون فيها مكان راحتهم.. ومصدر عيشهم يرحلون لها شباباً ولا يغادرونها أبداً. كانت البدايات شركة أرامكو التى كانت وما زالت فعلاً مدرسةً وجامعة للرجال تعلّم الكثير منهم ومنها فنّ الانضباط في العمل والحياة اليومية بل البعض كان أُميّا لا يعرف القراءة ولا الكتابة مع هذا أصبح متحدّثا اللغة الإنجليزية بطلاقة لكن كانوا وللتاريخ نموذجا رائعاً للآباء الذين كان الكفاح طريقاً للنجاح الذي انعكس على حياتهم اليومية بل حتى في تربية أبنائهم وبناتهم بعد اندماجهم في هذه البوتقة من ثقافة متنوعة لدى أهل المنطقة، ترسخت عزيمةً وصبراً وكفاحاً في نفوس جيل تلْو جيل. ولعلّي أتذكّر الرجال الأوائل والأفذاذ الذين هجروا مناطق عدة الى المنطقة الشرقية للعمل والعلم والتّعلم ومنهم العمّ عبدالهادي الجضعي القحطاني- رحمه الله وغفر له- والذي التقيت به وتعرّفت عليه في أواخر الثمانينات الهجرية بالمنطقة الشرقية عندما كانت اول رحلة لي لها أيضاً للعمل بها التقيت به وبالصدفة اكتشفت انه صديق لوالدي- أطال الله في عمره- وهو من الرجال الذين ارتبطت أسماؤهم بآرامكو، وكما قال ابنه الأكبر الصديق الأخ عبدالعزيز ان والده قدم الشرقية وهو في العشرينات من عمره وبدأ العمل بآرامكو عاملا ومقاولاً ثم أصبح بعد ذلك من أكبر رجال الأعمال ورافقه من رجالات الشرقيه ذلك الحين علي التميمي وسليمان العليان وأحمد القصيبي وخالد الدبل وعبدالله فؤاد، وهناك العديد من الأسماء التى بجهدها وعملها وكفاحها وبعصامية الرجال من أجل تحقيق هدف بل أهداف بثقة وجدارة وإتقان قلّما نجده اليوم في جيل الأبناء الذين يحاولون ان يكونوا مثل الآباء مع هذا فإن فيهم- ان شاء الله- الخير والبركة بعد ان وجدوا الفرصة والمجال للابتعاث والدراسة والتطوير والتدريب للعودة للقيادة مكان الآباء بمستوى يتواكب مع التقنية والعمل الاقتصادي اليوم. كانت وما زالت المنطقة الشرقية برجالها من أبنائها أبناء الوطن الواحد يعملون- بحمد الله- يداً واحدة متكاتفين كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضاً.. اليوم وجدت الدمام مختلفة تماماً وتحتاج منّي بعد هذا الغياب ان أكتب عنها حلقات بين ماضٍ عريق وحاضر شاهد على نهضة شاملة في كافة المجالات، لقد سرح بي الخيال الى قبل حوالي ٤٨ عاماً مضت عندما كنت أقطع المسافات بين مدن وقرى المنطقة مئات الكيلو مترات حيث كانت شبه صحارى وقفار، وكانت أقرب مدن المنطقة للدمام العاصمة ذاك الوقت هي الجارة الخبر حيث كناّ نرى المسافة بينهما بعيدة جدا واليوم من فضل الله أصبحتا مدينة واحدة.
أيضاً الدمام المدينة نفسها كنت- ويشهد الله- أقود سيارتي من نوع فولكس واجن بلونها الأبيض الذي يسر الناظرين في شارعها التجاري الوحيد والكثبان الرملية تحيط بها من كل جانب!! إضافة للشارع الشهير شارع الحبّ!! اليوم- نحمد الله- تغيّر الحال والوضع ١٨٠ درجة.. الدمام التى زرتها قبل أيام قليلة ماضية بعد انقطاع طويل عنها شعرت خلالها بأنني مقصّر تجاه حاضرة المنطقة الشرقية وعاصمتها الكبرى تاريخياً وتراثياً واقتصاديًا وسكانيًا!! أعترف أننا كأبناء وطن هضمنا حقّها في الزيارة وكلّ تركيزنا كان ولا يزال على المدينة الساحلية الجميلة بشواطئها ومنتجعاتها (الخبر) ولا تشمل الدمام التى تستحق منّا وأهلها الزيارة خاصة ان بها أيضاً أماكن سياحية وتراثية تستحق الاطلاع عليها وقضاء الوقت الممتع بها. المنطقة الشرقية تشهد نهضة شاملة في كافة المجالات يتابعها ويسهر على تحقيقها أمير تولّى أمارتها ولم يكن بعيداً عنها بل كان معها وأهلها الأمير الخلوق والنشط سعود بن نايف بن عبدالعزيز- وفقه الله- والذي عرفته في كل مناصبه القيادية والدبلوماسية بحيوية الشباب وروح خلاّقة وأفكار متجددّة ومبادرات نهضوية شاملة بدأها منذ عودته للمنطقة الشرقية، ولعلّي أختم بكلمات سموه الكريم عندما قال: (ان المنطقة الشرقية من أبرز مناطق المملكة لما تملكه من ثروات وموارد طبيعية وسياحية وجغرافية وما تنطوي عليه من مقومات وإمكانات بشرية وأنتم أهلها الأغلى والأهمّ ويربطني بكم علاقة وثيقة ولكم في نفسي مكانة كبيرة ولم أجد منكم الا كل تعاون ومساهمة لبناء المنطقة، أرجو الله ان يوفقني للقيام بهذه المسؤولية العظيمة لخدمة أبناء المنطقة الشرقية).. ونحن أيضاً ندعو الله لسمو أميرها الحبيب سعود بن نايف بتوفيقه والإعانة، إنه سميع مجيب.