يبدو أن كثرة المقارنات بيننا وبين الاخرين تزعج العديد من مسؤولينا وتجعلهم يختلقون الاعذار والتبريرات للرد علينا واقناعنا، ففي الألفية الماضية لم يكن هناك صوت يعلو للمقارنة أكثر من الصوت بيننا وبين دبي التي في كل يوم تتجاوز بمراحل لأن دبي بها كذا وكذا حتى وصلت هذه المقارنة ذروتها وبالتالي أصبح عندهم مصل مقاوم لها. بعد ذلك ظهرت الدوحة والتي تطورت بشكل كبير نموا وانفتاحا وبروزا على خريطة العالم حتى استضافت كبرى الاحداث العالمية السياسية والاقتصادية والرياضية وحتى الدينية ثم أتت الأكبر باستضافة كأس العالم 2022م والتي جعلت أي مسؤول يتوقف عن الرد والتبرير عندنا.
بعد ذلك تناسوا دبي والتي ما زالت مستمرة في ابهارها للعالم حتى اصبحت علامة واضحة على الكرة الأرضية، من وجهة نظري إن ذكرنا نيويورك وطوكيو وبرلين يجب أن نذكر دبي التي لا تقل عنها في كل شيء. دبي انتهت من كل واجباتها واولوياتها وضرورياتها وبدأت تدخل دائرة الاستعراض والتباهي في أطول بناء بالعالم وأكبر مجمع تجاري بالعالم وأكبر حوض للأسماك بالعالم، دبي كانت لها رؤية واضحة بسيطة، هي أن يظهر اسمها بشكل واضح عالميا، وهذا ما حصل حين تسمع عن مركز دبي المالي العالمي ومدينة دبي للإعلام ومدينة دبي للانترنت ومترو دبي ومول دبي وهكذا.
كل ما ذكرت قد لا يكون جديدا ولكن الجديد هو العقول التي تستثمر كل شيء وتستطيع تحويله الى رافد اقتصادي وعائد مالي كبير، الجمعة الماضية كنت في دبي واستيقظت صباحا خرجت لتناول الفطور ثم الذهاب للصلاة، وجدت كل الخدمات متوافرة ولا شيء مغلق حين كنت بمحاذاة طريق الشيخ زايد رحمه الله واذا بالطريق شيء غريب، يتوقف نصف دقيقة ثم يكون سالكا نصف دقيقة، وأثناء التوقف أجد سيارة سباق تسير وتتبعها سيارة سوداء معلقة بها كاميرا بعامود متحرك طويل يتبعها وفريق كبير من المصورين والمساعدين، وبحكم شغفي وفضولي توقفت وشاهدت المشهد أكثر من مرة وكأني في دار السينما بعدها سألت أحد الموجودين وقلت: هل لك علاقة بما يحدث؟ قال: نعم. قلت: وما الذي يحدث؟ قال: نحن نصور اعلانا تلفزيونيا لاحد المنتجات وهو عبارة عن مشروب رياضي؟ قلت: وما اسمه؟ قال لا تعرفه فهو جديد ولن يطرح هنا. قلت: اذا لماذا تصورونه هنا وهو لن يطرح هنا؟ قال: نحن أتينا من ألمانيا لنصور اعلانا المانيا هنا حيث التقنيات المتوفرة والسهولة والتكلفة الافضل، قلت: وما علاقة التكلفة؟ قال: نحن نستأجر الشارع من البلدية وندفع مقابله. قلت: وكم ساعة تستأجرونه فقال كل ساعة ولكن الساعة ليست كلها فقط دقائق معينة بها وليست متواصلة حتى لا يتعطل الطريق لذلك نصور نصف دقيقة ثم تسمح الشرطة للسيارات المتوقفة بالمرور لنصف دقيقة وهكذا.
هنا فكرت كيف أصبحت دبي علامة عالمية يعرفها الجميع، ونحن ما زلنا في طرق مرقعة ومشاريع متعثرة واختناقات يومية ونغرق في المطر، فخجلت من نفسي وانسحبت حتى لا يسألني هل عندكم مثل هذا أم لا؟ الجدير بالذكر أن تصوير الاعلانات في دبي ليس غريبا فأذكر المدرب الشهير مورينيو حضر لدبي حين كان مدربا لريال مدريد ليصور اعلانا لشركة ماكينات للحلاقة الرجالية علما بأن الشركة ايضا لم تكن في دبي. يا ويح قلبي.
* ماجستير إدارة أعمال/ جامعة الملك فهد للبترول والمعادن