DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C
ramadan-2025
ramadan-2025
ramadan-2025

قلب تيسير بين أولاده ووالديه

قلب تيسير بين أولاده ووالديه

قلب تيسير بين أولاده ووالديه
البِرُّ فنون، والوفاء ألوان، قد يوجد من الألوان القاتمُ الحزين، كما يوجد الكثير منها المفرح المشرق، ومن هذه الفنون والألوان؛ لون جميل.. رسمه لنا "تيسير"، وهو رجل بلغ الستين من عمره، تقاعد من عمله منذ عشر سنوات وتفرغ لمشروع عظيم: برّ الوالدين! لقد أصبح والد تيسير ذو التسعين عاماً كالطفل الصغير، ضعف جسمه، ورقّ عظمه، وضيّع كثيراً من معلوماته وأخباره، وفقد أسماء بعض أولاده، لكنه حفظ اسم ابنه "تيسير" فلا ينساه، أمّا والدته فهي تعاني من مفاصل صناعية تجعلها بحاجة دائمة لمن يعينها في قيامها وقعودها ومشيها. حينها، قطع تيسير كل شيء، الرحلات، السفرات، الزيارات، الاستراحات، حتى عمله تقاعد منه، وانتقل بأغراضه وحاجياته من بيت أولاده ليسكن مع والديه وليقوم بخدمتهما ويباشر هو نظافة والده وإطعامه وإلباسه والنوم عند قدميه، ليقدم جزءًا من الوفاء لإحسانهما: «وبالوالدين إحسانا». وقد زاد من حرصه على ذلك موقف أثر فيه أكثر، حيث ذهب تيسير لأولاده ليلة ونام عندهم، فلما ذهب لوالديه من الغد وجد الأب يحبو إليه باحثا عنه وهو يبكي: تيسير.. تيسير! وضمّه ضمة المشتاق المعاتب، حينها قرر السكن الدائم مع والده وخدمته، ولا يفارقه إلا للصلاة في المسجد، يجلس معه مثل الأم مع طفلها بل أشد، من الصباح حتى الليل، وعند النوم ينام أسفل سريره خوفاً أن يحتاج شيئا أو ينادي أو يقع من السرير! مستحلياً هذا العمل وفرحاً به. فكـم وقفت طويلاً عنــد بابـهـِـمـــا وكـم رميت على الأكتــافِ أحــــزاني وكم رجوت بجوف الليل عفوهمـا وكم تمــــنيـتُ لو كــــفٌ تغـشــَّـــاني وكم قطفـت زهـوراً من جنانهـما وكـم زرعت أزاهيـــــــراً ببســــتاني الحسن حسنهما والطيب طيبهمـــا والقـــلب قلبهـــما بالـــــودِّ ربانـــــــي تقول زوجة تيسير: "أصبح زوجي ٢٤ ساعة مع والديه وخاصة أباه، يزورنا قليلاً فيسلم ويسأل عن الأولاد وهو واقف ثم ينصرف لهما". تقول: "والحمد لله أن بيتنا قريب من بيت والديه، وأنّ أولادنا كبار، بعضهم تخرج ويعمل والبقية في نهايات الجامعة، والحمد لله أنّ الله رزقنا برّهم، أمّا والدهم إذا احتجناه ذهبنا له عند والديه". كما تقول عن زوجها إنه استأذنها وهو قريب منها، لكنه جعل مسكنه ونومه مع والديه لا يفارقهما أبداً، ولا يرغب أن يحوجهما حتى للخدم، حتى الطبخ وإعداد الطعام، تقوم زوجته الوفية بإعداده وإرساله، ويقوم هو بإطعام والده بيده براً وحباً ووفاءً، وتقول إن زوجها يقول: "لا أريد أن يحتاج والداي لخدمة من أحد، لا طعام ولا رعاية ولا نظافة وأنا حي". أعزائي القراء.. هذا الرجل أعرف أقاربه جيداً، وهو من سكان مدينة عرعر شمال السعودية، يجسد بهذا التفاني صورة رائعة من صور البر والوفاء، وقيادة النفس قيادة عظيمة لتقوم بهذا العمل الكبير العظيم، فلقد حبس نفسه ووقته وجهده لوالديه. كلما تذكرت هذا الرجل، قلت: "الله أكبر"، وهملت من العيون دموعها.. وتعجّبتُ؛ كيف وفقه الله لذلك؟ وبقرب من؟! الوالدين.. هواء الحياة وطيبها! لقد صنع تيسير هذا الأنموذج الجميل من البرّ الذي يستحقّ أن يحكى ويروى. إنّ الفرق بين قلب "تيسير" وقلب بعض الأولاد، هو الإحساس ورهافة الشعور، فتيسير له قلب نابض يشعر بمن حوله فما بالك بالوالدين؟! لقد كان قبلُ قريبا في بيته وزيارته، لكن لما رأى حاجتهما الأخيرة، اقترب أكثر! وضمهما لقلبه وجسده، وسكن معهما يتنفس معهما، ويأكل معهما وينام معهما، جعل من نفسه لهما خادماً وطباخاً وغسالاً ومنادماً ومجالساً ومؤانساً، فلله هذا الابن البار، كم نال من الخير؟ ولن يخيب الله ظنه في أولاده، فسيبرونه كما بر والديه، فالبر سلف، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.. أستاذ التوجيه والإرشاد النفسي بجامعة القصيم