اتفق مشاركون في ندوة جمعت عدة أطياف في المملكة، على أهمية اللحمة الوطنية، في ظل الأوضاع التي تمر بها المنطقة، ومن ذلك "عاصفة الحزم" التي تحالفت عبرها المملكة مع عدة دول لنصرة اليمن، وإعادة الشرعية، وحفظ وسلامة وأمن الأشقاء اليمنيين، مؤكدين على ضرورة إدارة الحوار الوطني، ومنوهين بما جاءت به "عاصفة الحزم" التي رفعت رأس الوطن، واستوجبت على جميع المواطنين بمختلف مذاهبهم الاتحاد والتعاضد لتجاوز هذه الأزمة.
وحدة وطنية
زارت أول أمس مجموعة من أعيان الأحساء ورجالها، صالون الثنيان الثقافي، حيث أقيمت ندوة تحت عنوان "وسائل تعزيز الوحدة الوطنية"، تحدثوا فيها على أهمية تقارب وجهات النظر بين السنة والشيعة السعوديين، مبينين أن تلك النعرات العقائدية لم تأت إلا بعد تدخل إيران في المنطقة، ومحاولتها زعزعة الأمن في الداخل، وتأليب الرأي العام في عدة مناطق سعودية ينتمي سكانها للمذهب الشيعي.
ندوات فكرية
وأجمع المشاركون في الندوة من السنة والشيعة، على ضرورة القيام بخطوات إيجابية وعملية، وعدم اضاعة الوقت في التنظير، مؤكدين على أهمية عقد ندوات فكرية يحضرها السنة والشيعة، والوقوف مع الدولة في أي مناسبة وواجب، وتقديم واجب العزاء في شهداء الوطن من السنة والشيعة في جميع مناطق المملكة، وإصدار البيانات التي تؤكد لغة الحب والتسامح والتعايش، ونبذ كل ما يدعو للكره والقطيعة بين السنة والشيعة.
حب وتسامح
وتطرق المشاركون إلى وجوب نشر لغة "الحب والتسامح"، ونبذ لغة العنف، وأن يتم هذا الأمر عبر خارطة طريق يشارك فيها عقلاء السنة والشيعة، وحملوا النخب المسؤولية الكبرى في المحافظة على تلك المكتسبات، والوقوف صفاً واحداً ضد كل من يريد شراً سواء من الداخل أو الخارج، وأبانوا أن إيران استغلت تلك الفجوة الموجودة بين السنة والشيعة لتكرس هذا المعتقد، ودعوا إلى وجوب التفريق بين الرأي السياسي والهوية الشيعية.
إحساس بالواجب
ومن أبرز ما تم تداوله في الندوة، التي بدأها الدكتور عبدالعزيز العبيكان، مرحباً بالضيوف شاكراً لهم لاستجابتهم للدعوة وتجشمهم عناء السفر للحضور والمشاركة، مبيناً أن سبب اختيار عنوان الندوة "وسائل تعزيز الوحدة الوطنية"، نظراً للإحساس بالواجب الوطني، فقد قام مع مجموعة بزيارة لمدينة الأحساء لتقديم واجب العزاء بعد الأحداث الإجرامية التي تمت في "الدالوة"، وراح ضحيتها عدد من السعوديين الشيعة، وأبان أن تلك الزيارة كانت تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية ومنها جاءت فكرة هذه الندوة.
نقاش مفتوح
بعد ذلك تولى عضو مجلس الشورى الدكتور خالد العواد، إدارة الندوة وطرح عددا من الأسئلة لتكون محاور للنقاش المفتوح، وتساءل: "لماذا نحن هنا، ولماذا أتى وفد من الأحساء، ولمن ننتمي، وماذا نريد"، ودعا الدكتور العواد في بداية تقديمه الجميع للغوص والبحث في العمق للخروج بعمل إيجابي مشترك ما بين الأطراف المشاركة في الندوة.
مسؤولية مشتركة
وبدأت الندوة بمشاركة محمد الحرز الأديب والناقد من الأحساء، وذكر في مداخلته أنه يجب أن يكون هناك إقرار بطبيعة الاختلاف، لكن فيما هو قابل للاختلاف، والتأكيد على المسؤولية المشتركة في تعزيز الوحدة الوطنية، وخص الإعلام والتعليم بمزيد من المسؤولية.
تعايش تاريخي
إثر ذلك، قدم الأستاذ بجامعة الملك فيصل الدكتور عبدالإله العرفج، عرضاً مرئياً أوضح فيه المقصود بالوحدة الوطنية، وما هي وسائل تعزيز تلك الوحدة، ثم استعرض نماذج تاريخية للتعايش والوحدة في مدينة الأحساء من خلال عدد من الوثائق والصور والأوسمة "الهاشتاقات" التي نشطت في فترات الأزمات على مواقع التواصل الاجتماعي.
اختبار حقيقي
ثم توالت المداخلات، وأشار عضو مجلس الشورى الدكتور حمزة الفعر، في مداخلته إلى أن ما حصل من أحداث في "الدالوة" كان اختباراً حقيقياً للمواطنة، وما قدمته الأحساء من نموذج رائع في ذلك المعنى، منوهاً بالدور المهم للعقلاء من السنة والشيعة لمحاربة كل معول هدم يضرب في هذه الوحدة، كما دعا إلى البعد عن مواطن الخلاف والسعي لتأصيل معنى المواطنة.
قيم ثابتة
بعده تحدث الشيخ علي عساكر، من مثقفي الأحساء، عن ضرورة اعتبار الانتماء للوطن "قيمة"، وليس هدفا أو مشروعاً قابلا للتغير، كون القيم ثابتة لا تتغير، مبيناً أن الانتماء للوطن والتراب أمر فطري لا يشكك فيه مهما كانت عقيدة الإنسان أو دينه.
تأكيد الثوابت
ثم انتقلت المشاركة إلى الداعية الإسلامي والمشرف التربوي بإدارة التعليم بالأحساء الدكتور أحمد البوعلي، الذي بين أن من أهم عوامل تعزيز الوحدة هو التأكيد على الثوابت والارتباط بكتاب الله وسنة رسوله، ودعا د. البوعلي، إلى وجوب نشر لغة "الحب والتسامح"، ونبذ لغة العنف، وأن يتم هذا الأمر عبر خارطة طريق يشارك فيها عقلاء السنة والشيعة.
صف واحد
من جانبه، تحدث عضو مجلس الشورى الدكتور إبراهيم أبوعباة، عن الدور الكبير لمؤسس هذه البلاد المغفور له الملك عبدالعزيز في بناء هذه البلاد، وما تحقق لها من مكتسبات تتمثل في هذه الوحدة، شاكراً الله عليها، ومحملاً النخب المسؤولية الكبرى في المحافظة على تلك المكتسبات، والوقوف صفاً واحداً ضد كل من يريد شراً سواء من الداخل أو الخارج.
رأي وهوية
بعده طرح الإعلامي عبدالله المديفر، عدة تساؤلات أضفت مزيداً من التفاعل على الندوة، حيث وجه سؤالاً لضيوف الندوة من الشيعة قائلاً: كيف يثق السعودي السني بولاء السعودي الشيعي لبلده؟ وما هو موقف الشيعي السعودي من ما هو يدور؟ وهل ولاؤه لإيران؟
ويتولى محمد الحرز الرد على هذا السؤال، مبيناً أن هناك خللا في التفريق بين الرأي السياسي والهوية الشيعية، حيث يوصف كل من يخالف برأيه السياسي بخلل في انتمائه، مبينا أن إيران استغلت تلك الفجوة الموجودة بين السنة والشيعة لتكرس هذا المعتقد، ودعا إلى وجوب التفريق بين الرأي السياسي والهوية الشيعية.
مواجهة الإرهاب
وفي ذات السباق، تحدث الكاتب خالد السليمان، الذي نقل عتبه على مثقفي الشيعة الذين لا يُسمع لهم صوت عما يحدث من أعمال تخريبية من أبناء الشيعة، في مقابل الصوت العالي ودورهم في مواجهة الإرهاب والتطرف السني، مشدداً على مسؤولية الجميع في ذلك الأمر، وأنه لا يجب الصمت في هذا الوقت.
اندماج تام
بعده تحدث عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالله الجغيمان، وأكد على وجوب تسمية الأمور بمسمياتها، وأنه في حال استمرار العزلة الحاصلة بين السنة والشيعة فإنها تسبب شرخاً في الوحدة الوطنية، مبيناً أن الواجب علينا يُحتم بأن يكون هناك اندماج تام، محذراً من خطورة تضخيم الأمور على كافة الأصعدة.
إعادة قراءة
من جهته، استعرض الأستاذ المساعد بكلية الآداب بجامعة الملك فيصل الدكتور هاني الملحم، التجربة الماليزية التي حققت تجربة تعايش رائدة، حيث قامت على عدد من الروافد أهمها: «تعميق القواسم المشتركة، وإعادة قراءة مفهوم المواطنة، وإعداد ميثاق جديد للمواطنة، وإعادة قراءة للخطاب الديني"، مؤكداً على أنه لا يتحقق الانتماء إلا بالحب وتحقيق العدالة.
صراع أفكار
بعد ذلك، حذر عضو مجلس الشورى الدكتور سليمان الماجد، من صراع الأفكار الذي يلقي بظلاله على الأشخاص، وحث الدكتور الماجد على ضرورة الفصل بين الشخص والفكرة.
مرجعية موحدة
ثم تحدث الأستاذ المشارك بجامعة الإمام الدكتور عبدالله بن وكيَل الشيخ، مؤكداً على فكرة أن تكون المواطنة "قيمة"، وهذه القيمة تبنى على خمس قيم أخرى هي: "وحدة الأصول والقطعيات في الدين والمرجعية الموحدة المتمثلة في القرآن الكريم، والعدل والبعد عن الظلم في كل المجالات وأهمها الأفكار، والاجتماع على القيادة السياسية في هذه البلاد، والوقوف مع الوطن في مواقفه ومصالحه ونبذ كل معول هدم، وتفعيل النهي عن المنكر كونه حافظا للدين والوطن".
تشخيص صحيح
فيما بين جراح القلب المعروف الدكتور محمد الفقيه، أن ما حدث في السنوات الأخيرة من صراع وتناحر لم يكن معروفاً في فترات سابقة، وهذا يدعونا للتساؤل عن سبب حدوث هذا الأمر حالياً؟، وأكد د. الفقيه على أنه حتى يكون العلاج ناجحاً لابد أن يكون التشخيص صحيحاً ونابعاً من الداخل، وأن يتم بصراحة ووضوح بين الطرفين السني والشيعي.
وحدة أصول
وبين الأستاذ المشارك بكلية الآداب بجامعة الملك فيصل الدكتور سعد الناجم، اختلاف وميزة الأحساء، وأن ما هو حاصل في الأحساء اندماج وليس تعايشا، وأشار إلى بعض الدراسات التي تمت عن طريق الحمض النووي "DNA " التي أكدت كلها على وحدة أصول أهالي الأحساء العربية من سنة وشيعة، مؤكدا على أهمية البحث عن المتسبب في نشر هذه الثقافة التي تهدف إلى نخر هذا النموذج الرائع من الوحدة.
خطوات إيجابية
واختتم الحوار بالندوة بمشاركة لمدير مركز التنمية الأسرية بمدينة العمران حجي النجيدي، أكد فيها على ضرورة القيام بخطوات إيجابية وعملية، وعدم اهدار الوقت في التنظير، واستعرض تجربته الشخصية في تعزيز هذه الوحدة والتي تمثلت في: "عقد ندوات فكرية يحضرها الطرفان السنة والشيعة، والوقوف مع الدولة في أي مناسبة وواجب، وتقديم واجب العزاء في شهداء الوطن من السنة والشيعة في جميع مناطق المملكة، وإصدار البيانات التي توكد لغة الحب والتسامح والتعايش، ونبذ كل ما يدعو للكره والقطيعة بين السنة والشيعة".
عمل مشترك
بعدها اختتم الدكتور عبد العزيز الثنيان اللقاء بالتأكيد على ضرورة السعي في خطوات إيجابية في هذا الجانب، مؤكداً على ضرورة العمل المشترك من الجميع سنة وشيعة وعدم تحميل الدولة المسؤولية منفردة، كذلك أهمية الوقوف امام التدخلات الخارجية التي تسعى لتدمير هذه الوحدة وتنخر في جدار اللحمة الوطنية، مكرراً شكره للجميع على حضور الندوة.