تقوم المؤسسات الدولية بتقدير حجم الدعم المقدم لاستهلاك الطاقة، ونشر البيانات الموضحة لمستوياته، ولفت اهتمامات الرأي العام للمجتمع الدولي لضخامة هذا الدعم وآثاره المنتشرة عبر اقتصادات العالم. وتحاول من خلال ذلك، دفع صناع القرار للتحرك للحد من هذا الدعم، وتبني السياسات المخففة للآثار الجانبية المترتبة عن الدعم المالي والإعفاءات من تكاليف الأضرار البيئية المترتبة على استهلاك الطاقة. وضمن هذه الجهود، أصدر صندوق النقد الدولي في 18 مايو 2015م، ورقة تتساءل عن حجم دعم الطاقة العالمي.
وحاولت الورقة التطرق لأبرز القضايا المرتبطة بدعم الطاقة، والتي من أهمها تقديرات مستويات الدعم المقدم لاستهلاك الطاقة على المستوى العالمي، وتوزيعات الدعم بين أنواع الوقود المختلفة ومجموعات الدول.
ومن أجل تحديد مستويات الدعم العالمي أو في أي دولة، كان لابد من تعريف دعم الطاقة وتحديد أشكاله. وينقسم الدعم بشكل رئيس إلى قسمين رئيسيين: الأول هو الدعم المقدم قبل احتساب الضريبة، والآخر هو الدعم المقدم بعد احتساب الضريبة.
ويظهر إلى الوجود دعم ما قبل الضريبة عندما يكون سعر منتج الطاقة الذي يدفعه مستهلك الطاقة أقل من السعر الذي يعكس تكاليف توفيره للمستهلك. ويحدد سعر توفير منتج الطاقة بأنه السعر العالمي للمنتج مضافاً إليه تكاليف النقل والتوزيع والأرباح التجارية المعتادة. ويتم عادة التركيز على هذا النوع من الدعم لأنه واضح وجلي، كما أنه يستنزف بدرجة مباشرة المالية العامة في العديد من دول العالم. ويتولد عن هذا الدعم نفقات إضافية في ميزانيات الدول أو يخفي إيرادات من المصدر مباشرةً، إذا كانت الدولة منتجة للطاقة ولديها شركات حكومية تحتكر الإنتاج.
أما الدعم بعد احتساب الضرائب فهو دعم ما قبل الضريبة، مضافاً إليه الضرائب المعتادة المفروضة في الاقتصاد على استهلاك وإنتاج المواد الأخرى، وكذلك الضرائب التي ينبغي جمعها أو فرضها على مستهلكي الطاقة مقابل الأضرار الصحية والبيئية الناجمة عن هذا الاستهلاك.
ويضاف إلى ذلك الدعم الذي يتلقاه منتجو الطاقة في أسعار المدخلات أو الإعفاءات، ولكن حجمه قليل على مستوى العالم.
سلبيات دعم الطاقة
يتولّد عن دعم منتجات الطاقة أضرار بالغة على البيئة، حيث يخفض أسعار منتجات الطاقة مما يشجّع على استهلاك كميات إضافية منها، ويخفض في نفس الوقت من حوافز توفير الطاقة واستخدام رأس المال للحلول محل الطاقة.
ويقود الاستخدام المتزايد للطاقة إلى زيادة مستويات التلوث ورفع المخاطر على الحياة الإنسانية والحيوانية والنباتية بما في ذلك زيادة معدلات حدوث الأمراض والوفيات المتصلة بالتلوث على المستوى المحلي.
ويقود الاستهلاك المتزايد للطاقة إلى زيادة انبعاث الغازات الدفيئة التي يتوقع أن تولد مخاطر جسيمة على الحياة في هذا الكوكب. كما يتسبب دعم منتجات الطاقة في زيادة استخدام المركبات والتي تزيد من معضلات الازدحام المروري وتقود إلى رفع معدلات الحوادث وفرص حدوث الاختناقات وإهدار الوقت في شبكات الطرق.
ويتسبب دعم الطاقة في توليد الكثير من التكاليف المالية التي تتحملها الحكومات والمجتمع بشكل نهائي.
وساهمت الدعومات المالية الكبيرة لمنتجات الطاقة في زيادة الديون المحلية لكثير من الدول، أو رفعت مستويات الضرائب والرسوم مما أضر بتنافسية القطاعات الاقتصادية الأخرى. وضغطت مخصصات دعم الطاقة في كثير من الأحيان على الإنفاق الحكومي لتشغيل وتطوير الخدمات الحيوية للمجتمع والشرائح السكانية الأكثر احتياجاً مثل التعليم والصحة، أو الاستثمارات الحكومية في البنية الأساسية.
وقاد ضغط الإنفاق الحكومي إلى خفض معدلات النمو الاقتصادي أو الدعم المقدم للشرائح السكانية الفقيرة أو منخفضة الدخل. وبهذا فقد أدى اتخاذ الفقراء ذريعةً لفرض أو إقرار أو الاستمرار في دعم منتجات الطاقة إلى الإضرار برفاهية هؤلاء الفقراء في نهاية المطاف، مما نتج عنه آثار سلبية على عدالة توزيع الدخل.
ويتسبب دعم منتجات الطاقة في الإضرار بكفاءة استخدام الطاقة، من خلال خفض حوافز توفير الطاقة. فكلما ارتفع مستوى دعم منتجات الطاقة تراجعت أسعارها، مما يقلل من العائد على وضع العوازل في المنازل مثلاً، أو منافع اقتناء المركبات الموفرة للطاقة أو الأجهزة الأقل استهلاكاً للطاقة.
ولهذا نشاهد في المملكة مثلاً، ميلاً لاقتناء السيارات الكبيرة عالية الاستهلاك للوقود حتى بالنسبة للأسر الصغيرة أو الأفراد وبشكل أكبر بكثير من الدول الأخرى، وهذا يعود إلى تراجع أسعار منتجات الطاقة في المملكة.
ويقود دعم منتجات الطاقة -على الرغم من تفضيل المستهلكين لهذا الدعم- إلى خفض حوافز استخدام وسائل الطاقة المتجددة أو البديلة، فرُخْص الكهرباء العامة مثلاً يثبط استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء في المنازل. وسيثبط تدني أسعار الوقود المستخدم في توليد الطاقة الكهربائية من استخدام الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح لدى منتجي الكهرباء.
وتتفاقم تكاليف دعم منتجات الطاقة في الدول المستوردة لها، وخصوصاً الدول متوسطة أو منخفضة الدخل. وقد عانت الكثير من البلدان النامية من معضلات موازين المدفوعات والمالية العامة بسبب هذا الدعم، مما قاد إلى رفع ديونها المحلية والأجنبية. وقد كان لسياسات دعم الطاقة دور مؤثر في بعض الأحداث السياسية المؤسفة في بعض الدول.
وقد استغل الحوثيون مثلاً قضية دعم منتجات الطاقة في اليمن لبث الفوضى في البلاد، على الرغم من أن الدعم المقدّم في اليمن قد تسبب في الإضرار البالغ بميزانيتي مدفوعات ومالية اليمن، وخصوصاً في أزمنة ارتفاع أسعار الطاقة.
دعم الطاقة قبل احتساب الضريبة
يركز الكثير من صناع القرار والمختصين على الدعم المقدم قبل الضريبة، نظراً لتأثيراته الواضحة على الميزانية وميزان المدفوعات، وهو أمر جيد. ومع أن مستوى الدعم المقدم قبل الضريبة كبير، إلا أن أهميته للاقتصاد العالمي مقارنةً بالناتج المحلي العالمي ليست بأهمية الدعم بعد الضريبة، حيث وصلت نسبة هذا الدعم إلى حوالي 0.7% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، أو حوالي نصف تريليون دولار في عام 2013م.
وشكّل الدعم للمنتجات النفطية أكبر مقدار من الدعم المحتسب قبل الضرائب، حيث بلغ حوالي 0.34% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، بينما بلغت قيمة دعم الكهرباء والغاز الطبيعي حوالي 0.23%، 0.16% من إجمالي الناتج المحلي العالمي على التوالي.
وكان مقدار الدعم المقدم لاستهلاك الفحم قبل الضرائب قليلاً، مقارنةً بالدعم المقدم لأنواع الوقود الأخرى، حيث بلغ 0.01% من إجمالي الناتج المحلي العالمي. ومن المتوقع أن يتراجع حجم إجمالي الدعم العالمي للطاقة قبل احتساب الضرائب إلى حوالي 333 بليون دولار في عام 2015، أو ما يقارب 0.4% من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
وستتراجع كل أنواع دعم الوقود قبل الضرائب في عام 2015م، وسينخفض دعم المنتجات النفطية مثلاً إلى 0.17% من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
وحدث هذا التراجع لسببين رئيسين: هما تراجع أسعار النفط الذي قاد إلى خفض أسعار الطاقة بشكل إجمالي، وإصلاحات الدعم الحكومي للطاقة في دول متعددة. وتوفر دول متعددة دعما ماليا مباشرا قبل الضرائب للمنتجات النفطية والغاز الطبيعي والكهرباء. ويقلل النظر فقط لمستويات دعم الطاقة قبل الضريبة كثيراً من مستويات الدعم الإجمالي بعد الضريبة الذي يتحمّله المجتمع، ولهذا ترتفع أهمية التعرّف على الدعم المقدّم بعد احتساب الضريبة وتقدير حجمه.
دعم الطاقة بعد احتساب الضريبة
وتشير بيانات ورقة صندوق النقد الدولي إلى أن الدعم المقدّم للطاقة بعد احتساب الضريبة أعلى بكثير من الدعم قبل احتسابها، حيث يستبب استخدام أنواع الوقود بأضرار واضحة على البيئة والصحة، تختلف من وقود إلى آخر، وقد ركزت الورقة على الوقود الأحفوري وتجاهلت غيره.
وتتباين تقديرات المصادر المختلفة لتكاليف الأضرار البيئية والصحية، ولذا فإن هذه التقديرات قد تتعرض لانتقادات بشأن مقدارها، فالمؤيدون لشركات الطاقة سيرون أن هذه التقديرات مبالغ فيها وينبغي خفضها، بينما سيرى مناصرو الحفاظ على البيئة والصحة العامة، أن تكاليف الأضرار أقل مما ينبغي وسيسعون لرفع قيمتها.
وقد ركزت ورقة صندوق النقد الدولي على الدعم المقدم بعد الضرائب، والذي يتشكّل بشكل رئيس من الإعفاءات الضريبية نظير الآثار السلبية على البيئة المحلية والعالمية والصحية التي يتسبب بها استخدام الوقود بكافة أنواعه. وقد وجدت الورقة أن حجم دعم الوقود بعد الضرائب أكبر مما كان مقدراً في السابق، وذلك بسبب احتساب آثار إضافية للأضرار التي تنتج عن استهلاك الطاقة. ويرتفع دعم منتجات الطاقة بعد الضريبة مقارنةً بالدعم قبل الضريبة حيث وصل إلى حوالي ثمانية أضعاف في عام 2013م.
وتزايد حجم دعم الطاقة بعد الضريبة، إثر تراجع أسعار الطاقة بدلاً من أن يتراجع أسوةً بالدعم قبل الضريبة، ووصل في عام 2015م إلى حوالي 16 ضعفا لحجم الدعم قبل الضريبة. ويعود ازدياد مقدار دعم الطاقة بعد الضريبة إلى تراجع حجم الدعم قبل الضريبة، وكذلك تزايد استهلاك أنواع الوقود بما في ذلك الفحم الحجري لتوليد الطاقة الكهربائية في دول معينة كالصين والهند.
وقُدر إجمالي حجم دعم الطاقة العالمي بعد الضرائب بحوالي 4.9 تريليون دولار في عام 2013م، ويتوقع ارتفاعه إلى حوالي 5.3 تريليون دولار في عام 2015م. ويمثل هذا المبلغ حوالي 6.5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي في العامين المذكورين.
وجاء معظم الدعم على هيئة إعفاءات من ضرائب كان من المفترض أن تجمع نظير الأضرار الناجمة عن استهلاك الوقود. ويتسبب استخدام أو حرق الوقود الأحفوري بنتائج سلبية على البيئة المحلية والعالمية.
وتتغاضى معظم دول العالم عن الآثار السلبية لاستخدام الوقود، مما يتسبب في نشر التلوث في البيئات المحلية المستخدمة للوقود على هيئة أدخنة تنتشر في الهواء وسوائل تتسرب للمياه والتربة، وقد تتسرب للأطعمة والمشروبات وتتسبب بنهاية المطاف بأمراض متعددة بعضها مزمن ومهدد للحياة البشرية والحيوانية والنباتية.
الدعم حسب المجموعات الاقتصادية
تنتشر الآثار البيئية السيئة لحرق الوقود الأحفوري في كافة الدول المتقدمة والنامية والصاعدة، والدول المنتجة للنفط والطاقة والدول المستوردة للنفط والطاقة. صحيح أن جميع هذه الدول تعاني بشكل او آخر ارتفاع مستويات دعم الطاقة بعد الضرائب، ولكن الدول الصاعدة والنامية تعاني بشكل أكبر بسبب ارتفاع نسبة هذه الدعم إلى إجمالي نواتجها المحلية الإجمالية.
وعلى الرغم من أن نسبة الدعم إلى إجمالي الناتج المحلي منخفضة في الدول المتقدمة وتصل إلى 2.5% من إجمالي نواتجها المحلية، إلا أن هذا الدعم يشكل حوالي ربع الدعم العالمي للطاقة في عام 2013م. ويأتي أكبر مقدار من التلوث العالمي والدعم المصاحب له من آسيا والصين والهند على وجه التحديد، حيث وصل حجم الدعم بعد الضرائب في آسيا الصاعدة والنامية إلى حوالي 2.3 تريليون دولار في عام 2013م.
وتدعم دول كومونولث الدول المستقلة (روسيا وحليفاتها) الطاقة بعد الضرائب بأكبر نسبة من ناتجها المحلي بين مناطق العالم، حيث تصل نسبة الدعم إلى حوالي 17% من إجمالي الناتج المحلي لهذه المجموعة. وتليها الدول الصاعدة والنامية في شرق آسيا بما في ذلك الصين بحوالي 16% من إجمالي ناتج هذه المجموعة المحلي. ويرتفع الدعم في هاتين المجموعتين بسبب ارتفاع مستويات استهلاك الفحم الحجري وكبر عدد السكان.
وتأتي في المركز الثالث مجموعة دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان بحوالي 13.5% من إجمالي ناتجها المحلي. ويرتفع الدعم في هذه المجموعة بسبب ارتفاع دعم منتجات النفط والأسعار المتدنية التي تُباع فيها المنتجات النفطية في كثير من أعضاء هذه المجموعة، وتغاضي الحكومات عن فرض ضرائب على التلوث البيئي الذي تتسبب به هذه المنتجات.
الدعم حسب منتجات الطاقة
يستأثر دعم استهلاك الفحم الحجري بالمركز الأول بين أنوع الوقود وبنسبة مرتفعة من إجمالي الدعم بعد الضرائب، وذلك بسبب حجم التلوث المريع الذي يتسبب فيه والتغاضي المفضوح الذي يحظى به استخدامه من السلطات الحكومية في الدول المستخدمة، والتي هي في العادة دولاً منتجة للفحم الحجري وفي نفس الوقت مستوردة للنفط.
ولهذا فإن استهلاك الفحم الحجري نادراً ما يكون عرضة للضرائب، بينما تفرض ضرائب على المشتقات النفطية. وذهب نصف دعم الوقود العالمي أو حوالي 2.5 تريليون دولار بعد الضرائب للفحم الحجري في عام 2013م. وقد ارتفع حجم الدعم المقدم بعد الضرائب للفحم الحجري من 3% من إجمالي الناتج المحلي العالمي في عام 2011م إلى 3.9% من إجمالي الناتج المحلي العالمي في عام 2015 أو حوالي 3.1 تريليون دولار.
ويرجع ارتفاع حجم الدعم إلى ارتفاع محتويات الكربون والملوثات في وحدة الطاقة مقارنةً مع منتجات الطاقة الأخرى. وتقدم الصين دعماً قوياً لاستخدام الفحم الحجري حيث تستهلك جزءًا كبيراً من إجمالي استهلاك العالم من الفحم الحجري، ولكنها لا تفرض ضرائب على استخدامه.
وجاء حجم الدعم المقدم لاستهلاك النفط ومشتقاته في المركز الثاني في حجم الدعم المقدم للطاقة، حيث يقدر حجم الدعم المقدم لاستهلاك النفط بعد الضرائب بحوالي 1.5 تريليون دولار أو 1.8% من إجمالي الناتج المحلي العالمي في عام 2015م. ويتركز معظم دعم استهلاك النفط بعد الضرائب في الدول المتقدمة.
وأتى الغاز الطبيعي في المركز الثالث بين منتجات الطاقة في حجم الدعم، حيث حظي بدعم يُقدر بحوالي ثلث الدعم المقدم للنفط بعد الضرائب أو ما يقارب 510 بلايين دولار في عام 2015م. ويرجع انخفاض الدعم المقدم لاستهلاك الغاز الطبيعي لنظافته النسبية مقارنةً بالنفط والفحم الحجري.
وأتى الدعم المقدم للكهرباء في المركز الرابع بحوالي 233 بليون دولار في عام 2013م، ومن المتوقع تراجعه إلى 148 بليون دولار في عام 2015م.
ويتركز معظم الدعم المقدم للطاقة في التكاليف البيئية للتلوث في بيئات الدول المستهلكة المحلية، بينما جاء ربع التكاليف من تأثيرات التلوث السيئة على التغير المناخي. ونتيجة لذلك فإن إصلاح أنظمة دعم الطاقة يصب في المقام الأول في مصلحة الدول الذاتية ويحسن من الظروف البيئية والصحة العامة داخل هذه الدول. وهذا لا يتعارض مع حقيقة أن التعاون الدولي سيحسن الظروف البيئية العالمية ويخفض من مخاطر التغيرات المناخية مما سينعكس بشكل إيجابي على حياة البشر والطبيعة في كافة دول العالم.
نتائج إصلاح دعم الطاقة
سيترتب على إصلاح أنظمة دعم الطاقة آثار ضخمة ومؤثرة على المالية العامة والبيئة والصحة العامة في داخل الدول وعلى مستوى العالم. وتكتسب قضايا إصلاح أنظمة دعم الطاقة أهمية حيوية كبيرة في إطار السياسات والتوجهات العالمية. وسيتوجب على بلدان العالم تقديم تعهدات بخفض انبعاثات الكربون في مؤتمر التغير المناخي العالمي المقرر عقده في باريس هذا العام.
هذا وقد ولّد تراجع أسعار الطاقة فرصا مواتية للتخلص من الدعم المقدم للطاقة من خلال فرض ضرائب لتغطية تكاليف الآثار البيئية السيئية التي يتسبب فيها استهلاك الطاقة والآثار على الصحة والحياة البشرية والحيوانية والنباتية. كما ولّد تراجع أسعار الطاقة فرصة لرفع الإيرادات الحكومية والحد من العجوزات المالية الضخمة في كثير من البلدان. وتعاني الكثير من حكومات العالم من معضلات مالية كبيرة وبعضها مستعص. وسيساعد فرض ضرائب على الوقود في دعم مالية الحكومات وتصحيح الأوضاع المالية المتردية في كثير من دول العالم. ويستخدم دعم الشرائح السكانية منخفضة الدخل والفقيرة كسموغ لدعم استهلاك الطاقة، ولكن المصادر الدولية والدراسات المختصة لأنماط استهلاك الطاقة تؤكد على أن ذوي الدخول المرتفعة يتستفيدون من دعم الطاقة بدرجة أكبر بكثير من الشرائح السكانية الفقيرة ومنخفضة الدخل.
وسيقود إلغاء الدعم المقدم لاستهلاك الطاقة بعد الضرائب إلى رفع الإيرادات الحكومية على مستوى العالم بحوالي 2.9 تريليون دولار، أو حوالي 3.6% من إجمالي الناتج المحلي العالمي في عام 2015م. وستستفيد آسيا الصاعدة ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وروسيا وحليفاتها بنسبة أكبر من باقي دول العالم، حيث سترتفع الإيرادات الحكومية بحوالي 9% من إجمالي نواتج هذه الدول المحلية. وبالإضافة إلى ذلك، سيقلل إصلاح أنظمة دعم الطاقة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بأكثر من 20%، مما سيقود إلى خفض الوفيات الناتجة عن التلوث بحوالي النصف، ويحسّن من نوعية البيئات المحلية والعالمية.
وإذا حدث هذا، فإن مخاطر وسرعة حدوث التغير المناخي ستتراجع بقوة.
من ناحيةٍ أخرى، سيواجه المستهلكون أسعاراً أعلى للطاقة بسبب فرض رسوم وضرائب إضافية نتيجة لإصلاح أنظمة دعم الطاقة، مما سيرفع تكاليفها عليهم ويؤدي إلى خسارة لرفاهية المستهلكين بسبب ارتفاع هذه التكاليف، ولكن تشير التقديرات إلى أن المنافع الأخرى الناتجة عن رفع الدعم عن الطاقة سترفع صافي الرفاهية الاقتصادية العالمية بحوالي 1.8 ترليون دولار أو حوالي 2.2% من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
وقد ولّد تراجع أسعار الطاقة فرصا حقيقية للتخلص من كثير من الدعم للوقود ورفع الضرائب على الوقود للحد من أضرارة على الصحة والبيئة. حيث لن يشعر كثير من المستهلكين بهذه الضرائب بسبب فرضها في فترة تراجع الأسعار مما سيقلل من المعارضة التي تواجهها أي ضرائب.