لا يزال المسحراتي "أبو طبيلة" صامدا يجوب طرقات بلدات الأحساء، وحنجرته تطلق مقطوعة "اصح يا نايم وحد الدايم" مدوية تشق عنان السماء، حيث بمجرد سماعها تعيد إلى ذاكرتنا صورة لأحد التقاليد المفعمة بالروح الرمضانية الجميلة والرائعة التي من خلالها يتم إيقاظ الصائمين لتناول السحور في الزمن الماضي، إلا أن شخصية «المسحراتي» لم تعد حاضرة في المجتمع الأحسائي بشكل كما كان في السابق، هذه العادة الرمضانية أصبح وجودها في الذاكرة أكبر من حضورها على الواقع؛ لكونها اندثرت في العديد من مدن الواحة وبلداتها.
وفي يومنا هذا اختفت مهنة المسحر، بعد أن كان المسحرون في منتصف الليل يقرعون طبولهم ليوقظوا الناس من منامهم يرددون بأصواتهم الأهازيج التي تشق سكون الليل ترسل صداها إلى الآذان والنفوس، مرددين عبارات التهليل والتكبير، وفي الأحساء يعود المسحر مجددا حتى وإن كان بشكل مختلف ليبقى طوال أيام الشهر الفضيل، وهو يطوف في أرجاء الأحياء بطبلته مرددا كلماته الإيمانية، هذا ما يفعله جاسم بوحمد من بلدة المركز، مشيرا إلى أنه يتفرغ في الشهر الفضيل لهذه العادة السنوية، حاملا طبلته يجول الفرجان بها طوال ليال الصيام، بينما الأطفال يسيرون خلفه في موكب احتفالي طريف للاستمتاع بصوته على أنغام قرعات الطبل، مرددا عبارات فيها عظة والتي من بينها "اصحى اصحى يا نايم .. وحد الله الدائم.. لا إله إلا الله محمد رسول الله" مشيرا إلى أن "بوطبيلة" مهنة ترتبط بشهر رمضان وتختص بها بعض الأسر وتتوارثها أبا عن جد، لافتا إلى أن المواطن أصبح يسهر إلى موعد السحور ولا يحتاج من يوقظه وإن داهم النوم أحدهم فإنه يعتمد على المنبه، مضيفا إن وجود هذه العادة في الأحساء يمثل عبقاً من الماضي الجميل وجزءاً من الذاكرة في مواجهة تقنيات العصر الحديث التي تكاد تعصف بأغلب عادات وتقاليد الآباء والأجداد، وتكاد هذه المهنة أن تندثر.
بينما يصف عيسى آل طه شخصية "أبو طبيلة" بالرائعة، وهي شخصية تمثل أحد التقاليد الرمضانية الجميلة التي كانت يوما بارزة بشكل كبير في مجتمعنا الزاخر بتقاليده، كما هو الحال في مناطق المملكة والخليج العربي، مبينا أن المسحر في الزمن الجميل كان يقدم خدمات إنسانية في رمضان، ارتضاه المجتمع لخدمته لإيقاظهم من النوم في وقت السحر، فهو يدعوهم لترك النوم، كي يتناولوا طعام السحور قبل الفجر بمدة كافية من الزمن، أما محمد بوفهيد فإنه لا يزال يحتفظ بذكريات أبوطبيلة وهو يرافقه من شارع إلى شارع، مضيفا إن في الزمن السابق يعتبر وجود المسحر ضرورياً ليفيق الناس من النوم للسحور، أما الآن فوجود التكنولوجيا الحديثة قضت على هذه المهنة تماما، وكذلك جلوس الناس إلى وقت السحور دون نوم جعل هذه العادة تراثاً أكثر منها حاجة عملية، متمنيا أن تستمر مثل هذه العادات لتعطي طابعاً جميلاً ضمن عادات الشهر الكريم، أعاده الله علينا دائماً باليمن وبالبركات، أما الجدة أم عبدالله، تقول يعتبر المسحر من أساسيات شهر رمضان وطقوسه الأصيلة في ذلك الوقت، فكان الناس يتشوقون لسماع شدوه الأصيل وصوت طبله المميز، موضحة أن الناس يقدمون له ما تجود به الأيدي من التي تساعده على العيش في ذلك الوقت، أما في يومنا هذا فالمسحر مهمته إدخال البهجة على قلوب الأطفال والكبار على حد سواء.