وافق مجلس الوزراء العراقي بإجماع 31 وزيراً على الإصلاحات الجديدة التي أعلنها رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي، أمس، والتي تتضمن إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية التي يشغل أحدها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ردا على احتجاجات ضد الفساد والنقص في الخدمات.
وتشمل إصلاحات العبادي "إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء فورا"، و"تقليص شامل وفوري في أعداد الحمايات (الحرس) لكل المسؤولين في الدولة"، و"فتح ملفات الفساد السابقة والحالية تحت إشراف لجنة عليا (...) تتشكل من المختصين". ويشغل المالكي، اليوم، أحد مناصب نواب رئيس الجمهورية. وتشكل هذه الخطوة ضربة له، ولكن من شأنها أيضا أن تضع العبادي في مواجهة معه. وهما ينتميان إلى حزب الدعوة، حيث ما زال المالكي يحظى بنفوذ واسع. وكان العبادي، قد طالب مجلس الوزراء الموافقة على هذه القرارات ودعوة مجلس النواب إلى المصادقة عليها، لتمكين رئيس مجلس الوزراء من إجراء الإصلاحات التي دعت إليها المرجعية الدينية العليا، وطالب بها المواطنون في محاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية. ويوجد في العراق ثلاثة نواب لرئيس الجمهورية هم: شيعيان نوري المالكي وإياد علاوي، وسني أسامة النجيفي، وثلاثة نواب لرئيس مجلس الوزراء وهم شيعي بهاء الأعرجي وسني صالح المطلق وكردي وروز نوري شاويس. وتعد هذه القرارات هي الأجرأ منذ تشكيل الحكومات العراقية بعد عام 2003 حيث ستطيح بكبار المسؤولين. وتتطلب تلك الإصلاحات مصادقة مجلس النواب عليها كونها قد تستلزم تعديلا دستوريا، وبالتالي من المرجح أن يستغرق تطبيقها بعض الوقت.
وتأتي هذه الإصلاحات بعدما دعا المرجع الشيعي علي سيستاني إلى اتخاذ خطوات إصلاحية تبرهن على "جرأة وشجاعة". وتظاهر آلاف العراقيين، الجمعة، في بغداد وست محافظات من جنوب البلاد، للاحتجاج على الفساد المالي والإداري ونقص الخدمات الأساسية، وخصوصاً الكهرباء. وتشهد العديد من مدن العراق موجة احتجاجات للأسبوع الثاني على التوالي على نقص الخدمات وخصوصا انقطاع التيار الكهربائي، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من ارتفاع حرارة غير مسبوق.
ويعاني البلد من نقص حاد في إنتاج الطاقة الكهربائية برغم المبالغ الطائلة التي صرفت على ملف الطاقة منذ العام 2003. وتنص الإصلاحات التي أعلنها العبادي على "إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء فوراً"، و"تقليص شامل وفوري في أعداد الحمايات لكل المسؤولين في الدولة، بضمنها الرئاسات الثلاث (...) ويتم تحويل الفائض إلى وزارتي الدفاع والداخلية حسب التبعية لتدريبهم وتأهيلهم".
كما تتضمن "إلغاء المخصصات الاستثنائية لكل الرئاسات والهيئات ومؤسسات الدولة والمتقاعدين منهم"، و"فتح ملفات الفساد السابقة والحالية تحت إشراف لجنة عليا لمكافحة الفساد تتشكل من المختصين (...)، ودعوة القضاء إلى اعتماد عدد من القضاة المختصين المعروفين بالنزاهة التامة للتحقيق فيها ومحاكمة الفاسدين". إلى ذلك تنص الإصلاحات على "إبعاد جميع المناصب العليا من هيئات مستقلة ووكلاء وزارات ومستشارين ومدراء عامين عن المحاصصة الحزبية والطائفية، وتتولى لجنة مهنية يعينها رئيس مجلس الوزراء اختيار المرشحين على ضوء معايير الكفاءة والنزاهة". ولا يتوقع أن تعارض الكتل الممثلة في البرلمان قرارات العبادي عند طرحها في البرلمان، ذلك أن التحالف الشيعي يشكل الغالبية، فضلا عن أن الكتل الأخرى في البرلمان لن تقف بوجه قرارات العبادي لأنها جاءت تلبية لمطالب عشرات الآلاف من المتظاهرين.
دعم القرارات ولاقت القرارات التي أصدرها العبادي ترحيبا كبيرا في الأوساط العراقية، حيث وجه نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي، وزراء ونواب كتلته بدعم قرارات العبادي. وذكر مكتب النجيفي في بيان أن النجيفي وجه الوزراء والنواب التابعين لكتلته الوزارية والنيابية بدعم وتأييد قرارات حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء". كما أعلن نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي دعمه لقرارات الإصلاح، وقال المالكي في بيان له: "نجدد موقفنا الداعم للإصلاحات التي تقتضيها العملية السياسية والتي وجهت بها المرجعية الدينية العليا رئيس مجلس الوزراء". بدوره أكد رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، استعداد البرلمان لدعم إصلاحات الحكومة الدستورية. وقال مدير مكتب رئيس المجلس أحمد محجوب في بيان، إن: " رئيس مجلس النواب مستعد لدعم جميع الإجراءات الإصلاحية التي تتخذها الحكومة وفق الأطر الدستورية". وأضاف، إن" البرلمان سيراقب الحكومة في تنفيذ إجراءاتها الإصلاحية وسيحاسب المقصرين". كما أعلن رئيس كتلة الحل البرلمانية النائب محمد الكربولي دعم كتلتة المنضوية في اتحاد القوى للقرارات الإصلاحية التي أعلنها العبادي.
وعبر الكربولي عن "تطلع كتلته لحزمة قرارات إصلاحية خدمية جديدة ذات صلة بالكابينة الوزارية للعبادي للنهوض بالخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين، متزامنة مع حزمة القرارات الإصلاحية السياسية التي أعلنها، اليوم". وشدد النائب محمد الكربولي على أن "البرلمان العراقي بشكل عام واتحاد القوى بشكل خاص، سيكون داعما لإجراءات الحكومة الإصلاحية، وفقا للصلاحيات الدستورية الممنوحة لرئيس الحكومة وبما يسهم في تلبية مطالب المتظاهرين". فيما وجه التيار الصدري، الذي يرأسه مقتدى الصدر، وزراء كتلة الأحرار بالامتثال لقرارات العبادي.
وقال مصدر رسمي في التيار الصدري في بيان، إن "الهيئة السياسية للتيار وجهت وزراء كتلة الأحرار بالامتثال لقرارات رئيس مجلس الوزراء".
أكبر حركة تصحيح شعبيا وصف عراقيون هذه القرارات بأنها أكبر حركة تصحيح في تاريخ الحكومات العراقية التي تشكلت بعد الغزو الأمريكي للعراق. وقال المهندس إياد صبري (47عاما): "نحن نقف بقوة مع قرارات رئيس الحكومة لإيقاف الهدر في المال العام من خلال استحداث مناصب توافقية غير دستورية تستحوذ على مليارات الدولارات في الوقت الذي تعيش فيه البلاد حالة من انعدام الخدمات في جميع المجالات". وأضاف :"نخشى الالتفاف على قرارات العبادي من قبل كبار المسؤولين الذين سيطالهم التقليص وخاصة أولئك الذين يملكون ميليشيات خطرة في الشارع العراقي". ورأت سارة الموسوي (33 عاما) موظفة حكومية، أن قرارات العبادي جريئة، وجاءت في الوقت المناسب "بعد أن تكشفت كل الأوراق والملفات أمام الرأي العام وبات ضروريا معاقبة اللصوص وخاصة أصحاب الدرجات العليا والمناصب الرفيعة الذين سيطروا على المال العام وعاثوا به فسادا". وقالت :"أدعو المتظاهرين إلى الاستمرار في مظاهراتهم لدعم توجهات رئيس الحكومة حتى تنفذ هذه القرارات جميعا، وإحالة اللصوص إلى القضاء واسترداد مئات المليارات التي نهبت من ميزانيات العراق السنوية لحساب الأحزاب والمسؤولين عنها دون أن تنعكس إيجابا على واقع الخدمات العامة في البلاد".