مقدمة كتاب «الجين الرياضي: في علم الأداء الرياضي المتفوق»؛ أثناء دراستي في المرحلة الثانوية كان لي زميلٌ من أصول جامايكية، يُدعى (ميشينو لورانس) كان بطلاً في العَدْو، ويتسم بالقصر واكتناز الجسم، وفي المساء كان يعمل في مطعم ماكدونالدز، وكان دائمًا ما يثير غيرة الأصدقاء فيمزح قائلاً: إن له نصيبًا دائمًا من وجبات المطعم الشهية، ولكن هذا لم يمنع قدرته على الجري السريع الخاطف!
أثناء حركات الهجرة الصغيرة التي عُرفت بشتات جامايكا في السبعينيات والثمانينيات اُضطر كثير من الأسر الجامايكية إلى الرحيل إلى إيفانستون في ولاية إلينوي، الأمر الذي شجّع على بناء ميدان ومضمار للرياضة الشعبية في مدرسة ضاحية إيفانستون الثانوية.
كان (ميشينو)، مثله مثل بقية الجامايكيين في الفريق، يلبس قميصًا شبكيًّا بلا أكمام يُعرف بمارينا، تشبُّهًا بأبطال الرياضة البارزين، وكان يصف نفسه كشخص آخر بقوله: “ميشينو بلا قلب”، ودائمًا يردد هذا اللقب قبل بدء السباق الكبير، ويعني بذلك أنه لا يشعر بالتعاطف أو الشفقة عندما يهزم المتسابقين الآخرين.
في عام 1998، وفي فصلي الدراسي الأخير، انطلق (ميشينو) من المرتبة الرابعة إلى المرتبة الأولى في المرحلة الأخيرة من سباق 400 متر تتابُع، وفاز بسباق ولاية إلينوي.
جميعنا يعرف مثل هذا البطل الرياضي في المدرسة الثانوية، ذلك الشخص الذي يفوز بسهولة سواءٌ أكان لاعبًا في الظهير الربعي أو دفاعًا في كرة القدم، أو تلك البطلة الرياضية في كرة السلة، وبطلة القفز الوثب العالي.
هل هذا بفعل الطبيعة؟ أم هي ظروفهم الخاصة؟ هل ورث إيل وأخوه بيتن مانينغ جينات والدهم آرشي في القدرة على اللعب كظهير ربعي في كرة القدم، أم لأن الكرة كانت في أيديهما منذ الطفولة فأحرزا جوائز أفضل اللاعبين؟
جو براينت الملقب بـ «جيلي بين» (حلوى الجلي) من الواضح أنه ورَّث قامته لابنه كوبي، ولكن السؤال هنا: من أين جاء الانفجار الأول في هذه الموهبة؟ ماذا عن كابتن فريق إيه سي ميلان لكرة القدم «باولو مالديني» الذي قاد فريقه إلى بطولة الدوري بعد أربعين سنة من قيام والده تشيزاري بنفس الدور؟ وهل ورَّث كين جريفي الأب ابنَه مضربَ كرة البيسبول مع الحمض النووي؟ أم أنها كانت ظروفًا بيئية مواتية نشأ عليها الصغيرُ في نادي البيسبول؟ أم هما الأمران معًا؟
في عام 2010م، كان الثنائي الرياضي الأول -المكون من الأم أولغا وابنتها إيرينا- مشاركًا في سباق 400 متر تتابع، جين السرعة من المؤكد أنه يعمل في هذه العائلة، ولكن هل هناك فعلاً شيءٌ من هذا القبيل؟ وهل «الجين الرياضي» موجودٌّ حقًّا؟
في أبريل من عام 2003م، أعلن علماء المشروع الدولي للجينوم البشري عن الانتهاء من المشروع بعد ثلاثة عشر عامًا من العمل المضني (200.000 سنة من عمر الإنسان المعاصر)، حدد هذا البرنامج جميعَ مواقع الجينوم البشري البالغ عددها حوالي 23.000 موقع من الحمض النووي الذي يحمل الجينات. وفجأة، عرف الباحثون من أين يبدؤون البحث، من الجذور العميقة للمميزات البشرية، بدءًا من لون الشعر إلى الأمراض الوراثية، والاتساق بين اليد والعين.
لكنهم قللوا من صعوبة ما ستكون عليه قراءة الشفرات الجينية.
تخيل هذا الجينوم! إنه مثل وصفة في كتاب من 23.000 صفحة تكمن في مركز كل خلية بشرية، ويقدم إرشاداتٍ لبناء الجسم. إذا كنت تستطيع قراءة هذه الصفحات الثلاث والعشرين ألفًا فستكون قادرًا على فهم كل شيء عن خلق الجسم. كان هذا هو تفكير العلماء ورغبتهم التي انطلقت منها أبحاثهم على كل حال. في المقابل، ليس الأمر فقط في الحصول على بعض شفرات الثلاث والعشرين ألف صفحة التي تدل على العديد من الوظائف في الجسم، لأنه لو تغيرت صفحة واحدة أو مزقت، فإن الصفحات 22.999 المتبقية يمكن أن تصبح فجأة ذات شفرات جديدة!
في الأعوام التالية على الانتهاء من مشروع الجينوم البشري، حدد علماء الرياضة جيناتٍ منفردة، وافترضوا أن لها تأثيرًا على الأنشطة الرياضية، وقارنوها مع عينات أخرى من جينات مجموعة صغيرة من الرياضيين وغير الرياضيين. ولسوء الحظ فإن مثل هذه الدراسات المحدودة أثبتت أن الجينات المنفردة كان تأثيرها ضعيفًا جدًّا وغير قابلة للكشف في هذا النوع من الدراسات، وحتى أغلب تلك الجينات -التي من السهولة بمكان ملاحظة تأثيرها على الإنسان مثل جين طول القامة- أفلتت إلى حد كبير من القدرة على تحديدها، ليس بسبب أنها غير موجودة، ولكن بسبب أنها كامنة ومتداخلة مع جينات أخرى. بدأ العلماء ببطء وبثقة تجاهُل الدراسات المحدودة، ودراسات الجين الواحد، ووجَّهوا الجهود العلمية إلى أساليبَ جديدة ومبتكرة في تحليل كيفية عمل شفرات الجينات، اقترن هذا الجهد مع جهود علماء البيولوجيا، وعلماء وظائف الأعضاء، وعلماء التدريب، لتوضيح كيف تتشابك الموهبة البيولوجية مع التدريب الصارم وتؤثر على النشاط الرياضي، نحن نبدأ نقاشًا عن دور الطبيعة والتنشئة على الرياضة. وهذه بالضرورة تذهب عميقًا إلى مناطق حرجة ومواضيع حساسة مثل الجنس والعرق.
إن الحقيقة العريضة هي أن الموهبة والتنشئة متداخلتان في أطياف الأداء الرياضي، والجواب هو دائمًا: كلاهما معًا. ولكن هذا لا يشبع فضول العلماء ولا يمثل نتيجةً مُرضية في العلم. فالعلماء دائمًا ما يسألون: «كيف يمكن للموهبة والتنشئة على وجه الخصوص أن تعملا هنا؟» و «ما نسبة مشاركة كل منهما؟» وللإجابة عن هذين السؤالين وغيرهما، دخل علماء الرياضة في عصر الأبحاث الجينية الحديثة.