استهدف انفجار قوي قلب مدينة اسطنبول التركية، قبل يومين، وأسفر عن مقتل 10 أشخاص على الأقل وإصابة ستة سياح أجانب بجراح، بالقرب من أبرز المعالم السياحية في المدينة.
وتشير التقارير الواردة إلى أن الانفجار - الذي وقع أمام مسلة تحتمس الثالث المصرية القديمة بالقرب من الجامع الأزرق في ميدان السلطان أحمد - نفذه مفجر انتحاري.
ورغم انخراط الحكومة التركية حاليًّا في صراع مع العديد من الجماعات المسلحة الإرهابية والجماعات المسلحة غير التابعة لدولة ما، يشي موقع الهجوم وهدفه وطريقته بتنظيم "داعش" باعتباره المشتبه الأول في كونه وراء هذه العملية.
وفي التعليقات التي أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أعقاب اجتماع دام ساعة مع مجلس الأمن القومي التركي، قال: إن المفجر الانتحاري من أصل سوري.
تُدرك تركيا تماما أنها جعلت من نفسها هدفا لكثير من الجماعات الموالية لتنظيم داعش بسبب إجراءاتها المشددة ضد هذه الجماعة المتطرفة ومساندتها النشطة للعمليات التي تنفذها المعارضة السورية ضد "داعش".
وتعهدت قيادات التنظيم مرارا بشن هجمات انتقامية ضد تركيا بسبب قطع خطوط الإمداد الحيوية عبر تركيا نتيجة الإجراءات المشددة التي صعدتها أنقرة بشكل مطرد منذ يوليو 2015.
ووقع أول هجوم خطير شهده العام الماضي في 20 يوليو عندما نفذت الجماعة تفجيرا انتحاريا في بلدة سروج التركية الواقعة قرب الحدود السورية.
وحالت المداهمات والاعتقالات التركية دون وقوع العديد من الهجمات الأخرى التي كان مخططا لشنها، لكن لم تحل دونها كلها، إذ عاودت الجماعة الضرب من جديد في أنقرة يوم 10 أكتوبر.
ومن الممكن أن يعبّئ هذا الهجوم الأخير - الذي وقع في قلب أقدم أحياء اسطنبول - ردا تركيًّا أشد وأعنف ضد "داعش". والحقيقة أن أنقرة عكفت بالفعل على دفع حلفائها لمساندتها في شن عملية في محافظة حلب الواقعة في شمال سوريا بهدف إقامة منطقة عازلة في مدينتي إعزاز وجرابلس.
ولو نجح مثل هذه العملية فسوف يخدم المصالح التركية بإلحاق ضرر بجماعة "داعش" وتعزيز موقف المعارضة في شمال سوريا، والحيلولة دون توسع وحدات حماية الشعب الكردية، الموالية لنظام الأسد والمعادية لتركيا، بشكل أكبر صوب الغرب، وتعميق انخراط الولايات المتحدة في الصراع بما أن تركيا لا تريد القيام بهذه العملية بمفردها.
غير أن التدخل الروسي في سوريا أدى إلى تعقيد خطط تركيا لهذه العملية بشدة، وفي أعقاب إقدام تركيا على إسقاط طائرة حربية روسية من طراز سوخوي 24، تواصل روسيا إحباط الطموحات التركيا في ذلك البلد، حيث عزز الروس - على سبيل المثال - دفاعاتهم الجوية في سوريا.
كما تحدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تركيا في مقابلة أجريت معه يوم 17 ديسمبر أن تتجاسر على الطيران في المجال الجوي السوري، ما يعني ضمنا أنه سيتم إسقاط الطائرات التركية لو فعلت هذا.
وقد اضطرت أنقرة إلى مراجعة خططها المتعلقة بحلب في شمال البلاد بعد أن وجدت نفسها في مواجهة حرب محتملة مع روسيا لو مضت قدما خططها، ورغم المخاطر التي تشكلها روسيا، من الممكن أن تزيد تركيا انخراطها في سوريا.
ويأتي هذا الهجوم الأحدث - الذي يشنه "داعش" على مدينة تركية - بالتزامن مع عبور ما تسمى قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد نهر الفرات في زحفها صوب الغرب. كما يأتي الهجوم في الوقت الذي صعّدت فيه الهجمات التي ينفذها الموالون للنظام السوري المدعومون من روسيا وإيران الضغط على المعارضين السوريين المدعومين من تركيا.
ربما يؤْثر الأتراك تنفيذ ضربات مكثفة بالصواريخ طويلة المدى انطلاقا من داخل حدودهم لما يتيحه هذا من أمان، لكن لا يمكن استبعاد تدخل تركي أكبر في الأراضي السورية.