يوما بعد يوم تتهاوى أسعار النفط بشكل حاد حتى وصلت الأسعار إلى ما يقارب 15% من أعلى قيمة وصلت لها أسعار البترول. لا شك ان انخفاض أسعار النفط قد يكون في جزء منه منطقيا وواقعيا بعد أن راقبنا الأسعار المرتفعة جدا. هذا ما نتج عنه تضخم عالمي وانخفاض أسعار الدولار، العملة الأساسية التي تحدد سعر البترول، يضاف إلى ذلك النمو الاقتصادي العالمي المتسارع وخصوصا نمو الاقتصاد الصيني الذي أصبح واحدا من أهم المؤشرات الرئيسية على تعافي أو ركود الاقتصاد العالمي. ان المتابع للاقتصاد العالمي جيدا كان يعلم أن هناك نهاية واحدة لهذا الارتفاع في جميع أسعار السلع وليس النفط فقط. لنقل على الأقل في هذا العقد، كان لا بد من كبح هذا التضخم لان الخارطة الاقتصادية بدأت تتغير فقد واجهت دول عديدة شبح الإفلاس، كما رأينا ذلك واضحا في اليونان وكانت هذه الأزمة تكاد تضرب أسبانيا وايطاليا أحد أكبر اقتصاديات العالم والتي تعتبر دولا مؤسسة للاتحاد الأوروبي، هذه الدول الأغنى والأكثر تقدما على مستوى العالم.
إذا رجعنا إلى أسعار البترول نرى الانخفاض كان بحدة ووتيرة وبسرعة أكبر بكثير من الارتفاع، وهذا يعتبر طبيعيا حيث إن الأسعار بلغت قمتها حين بلغ الإنتاج أقصى حده، وكان عند 85,8 مليون برميل يوميا، وأي زيادة عن هذا الحد كانت تتطلب زيادة في الاستثمار في حقول النفط لزيادة في التصدير. وقتها كانت دول الأوبك تنتج عند كامل طاقتها بحوالي 31,3 مليون برميل يوميا، أما الباقي فكان يأتي من خارج المنظمة، التي كانت ايضا تنتج عند مستويات طاقتها القصوى، كما استغل المضاربون هذه النقطة لرفع الأسعار.
وفي الربع الأخير من سنة 2008 بدأت تلوح في الأفق الأزمة المالية العالمية أو ما يعرف بأزمة الرهن العقاري التي أدت إلى انهيار عدة بنوك عالمية. وتوقع كثير من الاقتصاديين أن تؤثر على النمو العالمي وبالتالي على الطلب وأسعار البترول، وقد سبب ذلك انخفاض اسعار البترول، لكن هذا الانخفاض قابلته ردة فعل سريعة من دول الأوبك التي تسيطر على ثلث السوق النفطية بتخفيض الإنتاج وفي نفس الوقت امتصاص الفائض من السوق. إن هذا السيناريو الذي حدث سنة 2008 غير موجود الآن؛ لإصرار دول الأوبك اتباع سياسة عض الأصابع بمعنى على المتضرر الأكبر من أسعار النفط أخذ هذه المبادرة بتخفيض انتاجه هذا أولا.
ثانيا لطرد المنتجين الجدد الذين أغرتهم أسعار النفط فقرروا دخول هذا السوق بشكل أكبر والمقصود هنا الولايات المتحدة الأمريكية التي باتت أحدث الدول المصدرة للنفط، وكذلك إعطاء درس ليس مجانيا بل غالي الثمن للشركات والدول التي زادت استثماراتها في استخراج النفط وإيجاد طرق غير تقليدية لإنتاج النفط. ان دخول هذا المجال بدون ميزة نسبية قد يكون مكلفا وغير مجدٍ اقتصاديا حيث يكون الإنتاج أغلى من سعر السوق وهذا الدرس لا يقتصر على الدول المنتجة خارج الأوبك، بل يتعدى إلى بعض الدول في داخل المنظمة. ان استمرار منظمة أوبك يعود بالفائدة على الجميع، وخصوصا تلك الدول ذات التكلفة العالية في الاستخراج وأن تدرك تلك الدول حجم ودور القائد وهي المملكة العربية السعودية بانها في استطاعتها اخراج الجميع من هذا السوق، واخيرا اتذكر قول الله تعالى: «وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُم وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» البقرة 216