رأى خبراء مختصون في الشأن الخليجي أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بعد مرور عام على توليه الحكم، ماضٍ في سبيله إلى إطلاق المرحلة التالية من الإصرار والحزم السعوي بإظهار الوحدة والحسم في المنطقة وإزاء الأطراف الفاعلة الدولية التي لديها مصالح في الشرق الأوسط.
ولاحظ الخبراء أن المملكة بدأت تنهض بقوة للتصدي للتطرف والإرهاب في شتى صورهما وتعمل على توحيد صف العالم الإسلامي ضد من يسعون إلى هدم القيم الدينية والإضرار بمستقبل الأمة.
ولفت الخبراء إلى أن السعودية حققت نصرا تكتيكيا مهما في مواجهة العدوانية الإيرانية ومحاولات تمددها الإقليمي بمنهجية طائفية وفجاجة سياسية، مشيرين إلى أن الخطاب التدخلي الذي تبنته إيران وأذرعها الإقليمية كإستراتيجية هجومية تجاه السعودية قد أثار مخاوف حقيقية لدى جميع الدول العربية من سعي إيران مجددا للنيل من استقرار إحدى أهم الدول العربية.
مبدأ سلمان
وقال د. تيودور كاراسيك، المحلل الأمني المستشار في الجغرافيا الاستراتيجية لدى مؤسسة غلف ستيت أناليتيكس، المختصة بالتحليلات الجيوسياسية في منطقة الخليج، ان مبدأ سلمان، الذي مضت على تبلوره سنة الآن، أخذ يتنامى من جديد وبصورة قوية، إذ ان الملك سلمان والقادة السعوديين في سبيلهم إلى إطلاق المرحلة التالية من الإصرار والحزم السعوي بإظهار الوحدة والحسم في المنطقة وإزاء الأطراف الفاعلة الدولية التي لديها مصالح في الشرق الأوسط. وأوضح كاراسيك، أن المملكة بدأت تنهض بقوة للتصدي للتطرف والإرهاب في شتي صورهما وتعمل على توحيد صف العالم الإسلامي ضد من يسعون إلى هدم القيم الدينية والإضرار بمستقبل الأمة. وأضاف كاراسيك: تريد الرياض تصحيح النظام الإقليمي بعزل إيران وإجبارها على التراجع، وذلك بفضح نواياها الشريرة لا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فحسب، بل في العالم أجمع. وتابع الباحث المختص بالشأن الخليجي في مؤسسة راند البحثية الأمريكية سابقا بالقول: تبارت الرياض وطهران على مدى سنوات، وهما تتنافسان في الأمة الإسلامية على كسب قلوب المسلمين وعقولهم. وتعتبر الدعوة الإسلامية سلاحًا مهمًّا، لكن فيما يتعلق باقتران هذا السلاح بالسياسة. وفيما نهجت طهران سياسة طائفية وأغدقت الأموال على برنامجها التوسعي العدواني، تعكف الرياض على حشد بيتها السني الذي يواجه تهديدات تحيق بمؤسساته. وهذه التهديدات لا تأتي من تنظيمي «داعش» والقاعدة فحسب، بل أيضًا من مشاعر الكراهية للإسلام النابعة من أوروبا والغرب.
ولاحظ كاراسيك أن المملكة تريد تصحيح الأزمة التي يشهدها الخطاب السني، وتوحيد جميع البلدان في موجة جديدة من حماية القيم والمعتقدات في أمة إسلامية متزايدة التعقيد واجتياز الصراع السني الشيعي الأحدث، منوهًا إلى أنه قد حان الوقت لكي يتخذ خادم الحرمين الشريفين إجراءً إزاء ما يجري في المنطقة.
الاتفاق النووي زاد من حدة التوتر
من جهته، يعتقد محمد عباس ناجي، رئيس تحرير مجلة «مختارات إيرانية» بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، أنه، لا يمكن اختزال الأزمة بين السعودية وإيران فيما حدث بعد 2 يناير 2016، فالأزمة تبدو أعمق وأكثر اتساعا من ذلك بكثير. إذ إنها ممتدة منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، لكن ربما، وصلت الأزمة، لدرجة غير مسبوقة مع سقوط عدة أنظمة عربية في عام 2011، حيث بدا أن القوتين الرئيسيتين على الساحة تحولتا إلى أطراف متناقضة في كثير من الملفات الإقليمية، بداية من العراق، مرورا بسوريا ولبنان، وانتهاء باليمن.
وأضاف عباس ناجي أن الاتفاق النووي الإيراني الغربي، جاء ليزيد من حدة التوتر والاحتقان بين الطرفين، لاعتبارات عديدة، ربما يكون أقلها الجوانب الفنية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، إذ إن ثمة مخاوف واضحة من جانب السعودية تجاه المحاولات الحثيثة التي تبذلها إيران من أجل استثمار الاتفاق لدعم دورها الإقليمي في المنطقة، وإشارات لتوافق إيراني أمريكي حول العديد من ملفاتها الرئيسية، وهو احتمال بدأت تدعمه التغيرات الملحوظة في السياسة الأمريكية في المنطقة، التي تبدو وكأنها تسعى إلى الانسحاب تدريجيا من مناطق الأزمات لصالح الاهتمام بانتقال الثقل الدولي إلى آسيا، فضلا عن أن واشنطن بدأت تشجع قوى إقليمية رئيسية في المنطقة على الانخراط في حوارات حول الأزمات الإقليمية، باعتبار أن ذلك ربما يكون البديل الأقل تكلفة بالنسبة للإدارة الأمريكية.
وتابع ناجي بقوله: جاء رفع العقوبات عن ايران ثم إبرام صفقة لتبادل السجناء بين طهران وواشنطن ليشير إلى رغبة الطرفين في تأسيس قنوات تواصل مستمرة، ربما تصل في النهاية إلى درجة اعادة العلاقات الثنائية المقطوعة منذ أكثر من ثلاثة عقود. من هنا، يرى عباس ناجي، الخبير المختص في الشأن الإيراني، أنه ربما يمكن تفسير اتجاه بعض دول مجلس التعاون الخليجي إلى الوقوف في مواجهة التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية والمحاولات الإيرانية للتمدد على الساحة الإقليمية، بشكل يوحي بأن المواجهة سوف تستمر وربما تتصاعد في الفترة القادمة رغم محاولات التوسط التي تقوم بها بعض القوى الإقليمية.
انتصار تكتيكي
من جهته، قال مالك عوني، مدير تحرير مجلة «السياسة الدولية» بالأهرام المصرية، في تعليقه على قرار المملكة قطع علاقتها الدبلوماسية مع طهران، إن السعودية حققت نصرا تكتيكيا مهما في صراعها على النفوذ الإقليمي مع إيران التي لم تتمكن من الفكاك من إسار فجاجة السياسة الطائفية.
ولفت مالك عوني، الخبير المختص في الشأن العربي، النظر إلى أن الخطاب التدخلي الذي تبنته إيران وأذرعها الإقليمية كإستراتيجية عدوانية تجاه السعودية قد أثار مخاوف حقيقية لدى جميع الدول العربية من سعي إيران مجددا للنيل من استقرار إحدى أهم الدول العربية.
وأوضح عوني أنه إذا كانت إيران تمكنت خلال السنوات الثلاث الماضية من تعزيز فرص تقاربها السياسي مع دول عربية تدعم الأسد في سوريا، فإنها أخطأت التقدير في افتراض أن هذا التقارب على المحور السوري يمكن أن يدفع تلك الدول للقبول بنهج تدخلي مقابل التأثير على السعودية.
وأكد عوني أن المبدأ لدى دول عربية رئيسية، خاصة مصر، هو رفض تقويض ما بقي من أسس النظام الإقليمي فضلا عن أن يكون هذا التقويض على أساس طائفي، وغايتها الأساسية من ذلك ضمان الحفاظ على توازن القوى والنفوذ القائم بكافة عناصره حتى المعادي منها دون تغول أي عنصر منها أو هيمنته. وبالتالي فإن الدول خارج دائرة صراع النفوذ السعودي-الإيراني لا تتبنى سياسات تحالف مطلق مع طرف أو ضد طرف آخر.
وأوضح مدير تحرير «السياسة الدولية» أن خطأ التقدير الإيراني نبع من التشبث بشكل الدور القيادي للشيعة والتسرع في محاولة تعويض بعض خسائر الحلول الوسط في حربي سوريا واليمن التي باتت حتمية لتفادي حرب إقليمية واسعة.
في المقابل، يقول عوني: حققت السعودية في ظل تلك المعادلة اصطفافًا عربيًا مؤقتًا ومرحليًا في مواجهة إيران، اصطفافا قد يقلب أوراق التسوية الإقليمية للملفين السوري واليمني بما يحد من إمكانية تقدم الحضور الإيراني في المشهد العربي المتهاوي.
وأكد عوني أن السعودية تمتلك فيما وراء ذلك فرصة غير مسبوقة لإعادة صياغة القواعد المأزومة للنظام العربي إذا تبنت سياسة إقليمية تتيح، في حال التعاون الاستراتيجي، وليس الوظيفي مع مصر، استعادة مكانة الدولة العربية الوطنية ومعالجة عوامل هشاشتها.