اللحمة الوطنية لم تكن يوما شعارات منذ تأسيس هذا الكيان الشامخ، وإنما نسيج مجتمعي متكاتف ومتآزر ومتعاضد، وبقدر ما حدثت لدينا ابتلاءات وأزمات كانت كلمة السر في الصمود والمحافظة على الاستقرار هي وقوف الشعب مع قيادته ومضي المسيرة نحو غاياتها ومواجهة كل التحديات مهما عظمت وبلغت في سوئها، فهي مواقف تظل خالدة وتكتب على جبين التاريخ بأحرف من ذهب عظمة بلادنا وإنسانها وتفرده في البناء الوطني.
الأحداث الإرهابية تعتبر أحد أبرز مواقع التلاحم التي أكدت القيم الإنسانية لأبناء الوطن بلا استثناء على اختلاف مناطقهم ومذاهبهم، وأستشهد في هذا السياق بالحادثة الإرهابية في مسجد الرضا بمحافظة الأحساء مؤخرا، وأكدت أن هذه الأفعال الإجرامية لا يمكن أن تؤثر على العلاقة الأخوية العميقة بين أبناء الوطن، حيث بدا ذلك في حضور وفد من القصيم لتقديم تعازي أهالي المنطقة، لأسر ضحايا الحادث الإرهابي، وبذات الروح الأخوية رحب أهالي الشهداء بالوفد الزائر من أهالي منطقة القصيم لتقديم العزاء، مقدرين تجشمهم عناء السفر لمواساة إخوانهم أهالي الشهداء، مثمنين هذه البادرة الطيبة التي تجسد عمق تلاحم هذا البلد المعطاء، وتقطع الطريق على كل متربص يريد المساس بالوحدة الوطنية بين أفراد الشعب، مؤكدين أن الزيارة رسالة واضحة وصريحة لكل من يحاول التفرقة بين أبناء الوطن وإفشال لمخططاتهم وما أرادوه.
وفد أهالي القصيم قالوا أحسن القول في هذه المواطن حين قالوا كلمة للتاريخ مفادها: نحن هنا والله ليس لأننا نمثل القصيم أو نمثل منطقة، نحن وأنتم وأهلنا نمثل هذا البلد المبارك الأمين الوفي بكل طوائفه وتنوعاته، المملكة بلاد حباها الله بتنوع في كل شيء وهذا التنوع هو عامل ثراء وقوة وليس عامل تنازع وفرقة كما يريد له الأعداء، وهذا الحادث لم يقع في الأحساء وحدها، بل وقع في كل الوطن وبلادنا بكل مناطقها مستهدفة أما لماذا الأحساء فلأنها والله الأرض التي قدمت منذ سنوات أبرز نموذج للتعايش والوحدة والتنوع.
وحين نضيف الى ذلك ما قاله والد الانتحاري عبدالرحمن التويجري، نثق في أن هذه البلاد لن يضرها مثل تلك الحوادث، وقادرة على مواجهة تحدياتها بإنسانية تمتص كل الغبن والمرارات التي يمكن أن تشحن النفوس، فالتعايش هو الغاية التي يجب أن نحرص عليها، وقد قال والد الانتحاري: لا شيء في الدنيا أصعب من أن يكون حلمك الذي سعيت للحصول عليه سبباً في إحداث جرح غائر في جوفك، فالمصاب مصاب الجميع والكل لا يلام من فقد ومن كان له علاقة بسبب الفقد ليالي مرت وكأنها عمري الذي قارب نصف قرن كنت فيها أتمنى الصباح وحيث ينبلج أتمنى الليل وما زلت باقيا على تلك الحال حزنا على ما حدث وجئتكم حاملاً معي حزني وحزن والدي وزوجتي لأشارككم مشاعر الفقد وألم الصدمة الرهيبة.
اعتقد بذلك أننا أمام لوحة إنسانية تسمو على الألم بحكمة وحنكة وسمو نفس فريد ونادر، وذلك أصيل بما يؤكد أن لحمتنا الوطنية ستظل بخير ولن تحرقها نيران الفتن وأفعال الإجرام، فمواطن هذه البلاد أكبر من أن يهتز بجرائم هدفها الأساسي تمزيق الوحدة الوطنية وإضعاف التعايش، ولكن بمثل ذلك نحمي بلادنا من الكيد ونفخر بإنسان وطننا وفطنته الفطرية.