لقد خلف رحيل عبدالرحمن بن عبداللطيف الجعفري (أبو طارق) مدير عام مكتب العمل في المنطقة الشرقية وأحد كبار رجالات الوطن المخلصين وفقيد أسرة الجعفري، فراغا في نفوس الكثير ممن عاشروه، حتى إنه وصف من قبل اصدقائه بأنه جبل شامخ يقف على الأرض، فهو شخصية نادرة عرف عنها حب العمل والإخلاص ومساعدة الناس، رجل الأمانة على حقوق العمال والاجتهاد في تطبيق نظام العمل بل من المؤسسين له من خلال خطاب وزير العمل آنذاك عبدالرحمن أبا الخيل لترقيته للمرتبة الثالثة عشرة نظرا لخدمته الطويلة وتفانيه في العمل لجلالة الملك.
شخصية مميزة
ويؤكد رئيس المحكمة الشرعية بالخبر الشيخ أحمد بن عبدالله الجعفري أن كثيرا من الناس لا نلتفت لفضلهم ومكانتهم وأثرهم في حياتنا إلا حينما نفقدهم، حيث عرف العم عبدالرحمن الجعفري -رحمه الله- بشخصيته المتميزة التي جمعت الوقار مع اللطف والتودد والثقافة العالية مع البساطة وعدم التكلف والحزم مع اللين والتواضع، كان يأسر قلب كل من عرفه بأدبه الجم مع الصغير والكبير، يألف ويؤلف، كريم النفس، لذلك لا عجب أن يرتاد مجلسه الأسبوعي في منزله العامر لفيف من أقاربه وجيرانه الحاليين والسابقين، ولم تنقطع صلة من عملوا معه حتى بعد تقاعده بسنوات طوال.
ويضيف الشيخ أحمد الجعفري "التقيت في عزائه برجل في عمر أبنائه يترحم على العم، وقال تعرفت على العم أبي طارق إبان مرافقته لابنته حين عينت في إحدى محافظات المملكة قبل أكثر من عشرين عاما تقريبا ومع أن الصحبة في الغربة لم تدم سوى سنة واحدة ومع فارق السن الكبير إلا أن العلاقة امتدت لسنوات بعد ذلك، وذكر من خلق العم ما يأسر من عرفه، إن حسن الخلق من أعظم القربات التي تعبد بها الإنسان لمولاه في محراب الحياة، وأنتم شهداء الله في أرضه -كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-.
وصدق الشاعر حين قال:
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها
فالذكر للإنسان عمر ثان
رحم الله الفقيد ابا طارق واسكنه فسيح جناته وأعلى منزلته وبارك في ذريته.
حب العلم والتفاني في العمل:
يقول ابن الفقيد رجل الأعمال المهندس طارق بن عبدالرحمن الجعفري: لقد ولد الوالد عبدالرحمن بن عبداللطيف الجعفري الطيار في شهر شوال عام ١٣٥٠هـ في محلة الكون بالأحساء، ذاق طعم اليتم مبكراً حين توفي أبوه وهو ابن تسع سنين، وتوفيت أمه وهو ابن عشر سنين. اضطر كبقية أقرانه للعمل مبكرا، فقدم إلى مدينة الخبر وعمل كاتبا للمعاريض بالقرب من مباني الدوائر الحكومية. اهتم بتطوير نفسه فكان يعكف على نسخ الجرائد لتحسين خطه وأسلوب كتابته إلى سن الرابعة عشرة من العمر.
بعد ذلك التحق بالعمل في إدارة البريد وأكمل عصاميته في تطوير نفسه. درس في صغره على يد الكتاب وحفّاظ القرآن الكريم حيث درس القرآن والقراءة على يد الشيخ أحمد بن قرين. وبعد افتتاح المدارس الحكومية أكمل دراسته ليلا وكان يعمل صباحا، وبفضل من الله أثمر اجتهاده بأن تدرج بالمناصب الحكومية إلى ان وصل إلى منصب مدير عام مكتب العمل الرئيس بالمنطقة الشرقية.
كان الوالد من الرجال المقربين إلى المغفور لهما بإذن الله الأمير سعود بن جلوي والأمير عبدالمحسن بن جلوي -رحمهما الله- حيث كانت تناط به مهام حل الكثير من القضايا المتعلقة بالعمل والعمال.
وعلى الصعيد الاجتماعي كان -رحمه الله- يستقبل الناس كل أسبوع بعد صلاة الجمعة وذلك امتداداً لمسيرة أجداده من قبله.
حي في قلوب محبيه:
ويقول رفيق درب الفقيد ومحبه الشيخ أحمد بن علي الماجد "أما وقد انتقل رفيق الدرب أخي الأستاذ عبدالرحمن بن عبداللطيف الجعفري إلى الرفيق الأعلى فإنه سيظل حياً في قلوب جميع من عرفه وخاصة أولئك الذين ربطتهم به علاقة صداقة حميمة".
لقد عرفت أبا طارق منذ نصف قرن في القاهرة حينما كنت أدرس هناك، وكان هو في زيارة خاصة. وحينما تخرجت وعملت في وزارة العمل، أصبحت تربطني به علاقة زمالة في العمل تطورت فيما بعد إلى صداقة حميمة. وقد كان -رحمه الله- يتمتع بصفات حميدة تمتلك قلوب من ربطته به أي علاقة. كان عصامياً مكافحاً، بدأ العمل في الدولة في بدايات السلم الوظيفي وواصل تعليمه في الدولة وهو على رأس العمل إدراكاً منه بألاّ سبيل للرقي إلاً بالعلم ولم يكن أقل شأناً من أصحاب الدرجات العلمية العليا، حيث وصل إلى المراتب العليا في السلم الوظيفي حينما أصبح مديراً عاماً لمكتب العمل الرئيس بالمنطقة الشرقية.
لقد كان الفقيد يحظى بتقدير وزير العمل والشؤون الاجتماعية ووكيل الوزارة لما لمساه منه من إخلاص ومثابرة في عمله وكفاءة ومقدرة على إدارة مكتب العمل في المنطقة الشرقية التي تحتوي على كبريات الشركات التي تضم عشرات الآلاف من العمال. لقد لمست هذا حينما كنا نقوم سوياً باستقبال وزير العمل والشؤون الاجتماعية في المنطقة الشرقية ونعقد مع معاليه الجلسات التي نطرح فيها همومنا عليه حينما كنت مديراً لمركز التدريب المهني بالدمام والأستاذ عبدالرحمن -رحمه الله- مديراً عاماً لمكتب العمل.
#حفيد الفقيد: سنفتقد من علّمنا كل شيء جميل#
ونعى حفيد المتوفى عبدالرحمن الخطيب، جده بكلمات قال فيها "لقد حان وقت الوداع يا سيدي.. وآن لك الآن أن ترحل بلا عودة.. وتذهب بعيدًا إلى نقطة النهاية.. تاركاخلفك ذكرياتك الجميلة.. تاركا طيفًا نراه ونعيش معه بحب وهدوء وسلام.
تركت لنا يا سيدي أرقى المبادئ والقيم.. علمتنا أن المرأة في بيتك سيدة.. وأن الخادم تحت سيادتك يحترم، علمتنا منذ طفولتنا أن صلة الأقارب واجبة.. وجعلت ذلك شيئا يرسخ في قلوبنا.. فعندما كنا صغارًا كانت عطلة نهاية الأسبوع شيئا جميلا ننتظره بشغف لنجتمع تحت ظلك.. ذلك الظل الحنون الذي سنفتقده بعد غيابك كثيرًا.
سنفتقد القصص والأشعار التي كنت تتغنى بها.. ومتعة الجلوس معك وأنت تروي قصة كفاحك التي تعلمنا منها أن العلم يرفع بيتًا لا عماد له.
![](http://m.salyaum.com/media/upload/78c95b60ad432c7150d7681904c31cdf_33.jpg)
الفقيد يلقي كلمته في افتتاح مبنى مكتب العمل