"فلسطيني ملقى على الأرض، بعدما أصيب برصاصتين شلتا قدرته على الحركة، أطلقهما الجنود الإسرائيليون المدججون بالسلاح نحوه، وأصوات صراخ مصحوبة بالخوف والرعب عمت المكان، وهرب الجميع، طفلاً وشاباً وشيخاً، بينما أحاط الجنود ذاتهم بالفلسطيني وأمطروه بوابل من الرصاص قدر بـ (50 رصاصة)، مما أدى لاستشهاده على الفور، في وقت هرعت قوات كبيرة من الجيش وأغلقت المكان بالكامل.
الوصف السابق لم يكن جزءا من فيلم سينمائي، إنما كان مشهداً حقيقياً، بطله الشهيد الفلسطيني محمد أبو خلف (20 عاماً)، والذي لم يكن يدرك أن مروره صباح الجمعة التاسع عشر من فبراير الحالي، من "باب العامود"، أو"باب الموت" كما يطلق عليه المقدسيون، - وهو أحد أبرز أبواب مدينة القدس المحتلة-، سيجعله ينضم إلى قائمة الشبان والفتيات الفلسطينيين الذين قتلهم الجيش في ذات المكان، بزعم محاولتهم تنفيذ عمليات طعن.
توثيق الجريمة
أبو خلف كان أكثر حظاً من بقية الشهداء الذين قتلهم الجيش بذات المكان، فمشهد إعدامه، وثق بكاميرات وكالات الأنباء الدولية والمحلية الفلسطينية، ونشر على وسائل الإعلام الاجتماعي، وفضحت إسرائيل وجنودها لساعات، ودفن محمد ملفوفاً بالعلم الفلسطيني، وحصل على رقم لنفسه بين قائمة شهداء انتفاضة القدس التي انطلقت، مطلع أكتوبر الماضي، وقارب عددهم المائتي شهيد، لكن ما يقلق المقدسيين حالياً أنهم جميعاً يمرون يومياً من "باب الموت"، ومعرضون للقتل في أي لحظة على يد الجنود الإسرائيليين، وفقاً لحديث المقدسية ديالا جويحان مع "اليوم".
ويعد "باب العامود" الأكبر والأعلى بين بوابات القدس، وسمي بذلك الاسم نسبة للعامود الرخامي الأسود الموجود بجانبه، ويرجع تاريخه لأكثر من خمسة آلاف عام، ومر عبره العديد من الغزاة والفاتحين، وكان شاهدا على تحرير القدس على يد صلاح الدين الأيوبي، في حين حوله الجنود الإسرائيليون اليوم، لـ"باب للموت" بقتل الفلسطينيين على مدخله.
وتقول جويحان، وهي أبرز الصحفيات الفلسطينيات اللاتي وثقن جرائم الجيش عند "باب الموت"، إن:" الاحتلال منذ أشهر حول كل أبواب مدينة القدس، وخاصة العامود إلى ثكنة عسكرية وضع فوقه مناظير مراقبة وقناصة إسرائيلية لتسهيل عمليات الإعدام عن بعد، إضافة لوضع متاريس حديدية وبوابات تفتيش، بالتزامن مع انتشار مكثف وبشكل يومي للجنود، الذين ينفذون الإعدامات اليومية بحق الشباب الفلسطينيين".
وذكرت أن الجنود يمارسون سياسة إذلال الفلسطينيين خلال تفتيشهم ونزع ملابسهم أثناء مرورهم عن "باب الموت"، مؤكدة أن معظم من يتعرضون للتفتيش والقتل هم أطفال لا تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة. وبينت أن خوف المواطن المقدسي هذه الفترة من تعرضه للإعدام دفعه لسلك طرق ثانية أبعد، من أجل قضاء حاجاته اليومية، مبينة أن المقدسي رغم ما يتعرض له من عدوان إلا أنه صامد ويتحدى كل قرارات الجيش ضده.
وأوضحت جويحان أنها شهدت إعدام الجيش الاحتلال لعدد من الشبان الفلسطينيين عند "باب الموت"، أبرزهم الشهيد أبو خلف، محمد علي، وغيرهم، إضافة لإعدام الشاب محمود النمر بالعيساوية والطفل إسحاق بدران بالمصرارة والفتاة شروق الزيات بمدينة القدس، مؤكدة أن الجيش يقمعهم ويمنعهم من توثيق جرائمه في أغلب الأحيان. ولفت المقدسية جويحان إلى أن إسرائيل بدأت تطبق أهدافاً سياسية في محيط "باب الموت"، في إطار تغير معالمه التاريخية، عبر خلع الأشجار المعمرة فيه، تمهيداً لفرض مزيد من السيطرة على "باب العامود" ومحيط البلدة القديمة لتنفيذ مخططها 20 -20 والقاضي بتحويل القدس إلى منطقة سياحية يهودية من الدرجة الأولي، عبر ربط ما تسميه بالحدائق التوراتية بعضها البعض.