استضافت أحمدية المبارك بالأحساء اول أمس الأحد الأديب الدكتور أحمد سماحة في محاضرة بعنوان (الإبداع حين يكون سيفا: قراءة في مقدمة مقامات الحريري) والتي أدارها الدكتور عبدالله العبدالقادر، بحضور نخبة من الأدباء والمثقفين من مرتادي الأحمدية بمجلس أسرة آل مبارك.
وقد أكد المحاضر أن مقدمة كتاب «مقامات الحريري» تبدو طويلة تكاد تعدل في طولها العديد من المقامات التي رصع بها الكتاب، مشيرا الى أنه لو سمح لنفسه بوضع عنوان لهذه المقدمة لاختار أن يكون عنوانها (المقامة التبريرية)، حيث يعدها من المقامات القليلة التي لا يشير عنوانها الى فضاءات مكانية مثل (المقامة الصنعانية، والكوفية، والدمشقية، والبغدادية، والمغربية.. وغيرها).
وقال الدكتور سماحة: ان الحريري في مقدمته أو مقامته تلك يفتح أفقا للدهشة، وأفقا للقراءة الحذرة والمتأنية والمشتتة، لأنه يروي على لسانه لا على لسان (الحارث بن همام) الذي يروي المقامات، وقال: "أعتقد أن الحريري الذي يتقمصه احيانا تردد طويلا ووقع في حيرة كبيرة بين (الكتابة من عدمها)، أي أن يكتب وهو العالم الأديب الذي كني بكنية العلماء ويحمل امانة الكتابة ويشهد الأدب يركد ريحه وتخبو مصابيحه، وألا يكتب خوفا على نفسه. وهو وإن كان قد اختار طريق الكتابة إنما خاطر وعليه ان يتحمل تبعة اختياره".
واضاف الدكتور سماحة: "إننا هنا أمام الحريري المبدع والصانع للمقامات بأشخاصها وأحداثها لذا فمساحة الحقيقة هنا أوسع، ومساحة التلقي أضيق فليس هناك تعدد في الرواة، فالحريري يضع فمه لصق آذاننا ليقول وهو ينتفض هلعا من (غمر جاهل أو ذي غمر متجاهل) أي غير المجرب والحقود ليس هما فقط، بل يخشى الحريري على نفسه من ابداعه رغم حسن نيته الذي أوضح عنها مرارا وتكرارا، ورغم توسله بالله ورسوله وتمسكه بتعاليم الدين. إلا إنه يخشى أن يكون كالباحث عن حتفه بظلفه، فينقل لنا هنا نبض عصره وموقع الكاتب والمبدع فيه، ما جعله ينقل لنا قلق عصره وطابعه وظروف انحطاطه، ويخشى تأويل قوله ويعمد الى التقليل من ذاته ليضخم ذات الآخر الذي يخشاه ناقدا كان أو غيره".
وبين الدكتور سماحة ان الحريري في مقدمته يشبة ابو زيد السرجي في مقدمة مقاماته من خلال تغيير كلامه متنقلا من تبرير إلى آخر، ومن توسل إلى توسل آخر، فيما تتلون ذاته بكل أطياف الخوف والحيرة حيث من الصعب بمكان تحديد هويته لأن كل ما يقوم به مبني على التلون في صور مختلفة. وفهم الحريري عصره في تقلبه بين الخوف والرجاء والاقدام والتقهقر، فلون مقدمته بشتى الألوان، وهو وإن قرر في النهاية ان يكتب مستعينا بالله بعد ان تم تكليفه بالكتابة بعد ان وقع في حيرة وهو العالم الاديب".
واشار سماحة ان المقامات التي أنشأها الحريري جمعت بين متعة القص والحكي وتحقيق الغاية البيانية البلاغية، وقدم خمسين مقامة تحتوي على جد القول وهزله، ورقيق اللفظ وجزله، وغرر البيان ودرره، وملح الأدب ونوادره، فيما استعرض المحاضر بعض المقامات للحريري، بعدها جاءت المداخلات من الحضور من بينها مداخلة الدكتور نبيل المحيش والقاضي عبدالباقي المبارك وآخرون.
وكانت مفاجأة المداخلات قيام طالب بالثانوية بالقاء مقامة من ذاكرته للحريري لفتت انظار الحضور فيما أثنى عليه المحاضر لروعة وقوة أدائه.