جميع بعثات الحج المسؤولة، تتشاور والمملكة، حيال موضوع الحج كل عام، وتقدم المملكة كافة التسهيلات لحجاج بيت الله الحرام كمسؤولية إسلامية تضطلع بها، بعد أن من الله عليها بالحرمين الشريفين، وفي كل عام تجري المملكة توسعات وتطويرا بما يخفف عن الحجاج، ويستوعب الأعداد الكبيرة القادمة، وتقدم بعثات الحج الإسلامية من جانبها كافة الالتزامات التي تساعد في جعل الحج ميسرا وسهلا، فالجميع ينظر إليه كمحطة إيمانية ينتقل فيها الإنسان عن مشاغل الدينا وينقطع عنها للقيام بهذه الشعيرة بروحانية عالية.
على الجوانب اللوجستية، هناك خدمات تبذل، وهناك إدارات أمنية، وإدارات صحية وخدمات إنسانية وخيرية، وهناك اجتماع إسلامي له مكانته، وهناك لقاءات على مستوى رجال الدين والفكر والثقافة، لتبادل الأفكار حول العالم الإسلامي، همومه وشجونه، وعوامل الوحدة والتعاون، وهناك خيرون كثر ينتظرون هذا الموسم، وشهر رمضان، للقيام بواجب العطاء والإنفاق المستحب احتراما وتقديرا لحجاج الحرمين الشريفين، ولم يسجل قط أن منعت المملكة حاجا وزائرا لبيت الله الحرام، حتى وإن اختلف مع المملكة سياسيا، فكثيرون حضروا وهم مختلفون سياسيا مع المملكة، حضروا بكل احترام وتقدير، وعادوا كذلك، فالمملكة لا تربط بين السياسي والديني في موضوع الحج والعمرة، إلا إذا جاء الحاج والمعتمر ولديه أجندة سياسية، تعكر صفو الحجاج والمعتمرين.
القضية مع إيران بدأت منذ الثورة الإيرانية 1979، عندما أرسلت إيران وحدات من الحرس الثوري، للفت الانتباه، للتظاهر السياسي في الحرمين الشريفين، وللقيام بعادات ليست من صلب الدين، وللقيام بأعمال تنافي خطة تسيير الحج وتفويج الحجاج، وصولا إلى التخطيط لعمل كوارث إنسانية في الحج، باستخدام الغازات السامة، وبحمل السلاح، وكل ذلك يتنافى مع الدين والإجماع الإسلامي، وفي كل عام كانت لإيران قصة، ورواية وهدف، ولعل إيران كانت دائما تبحث عن الإثارة السياسية والطائفية، فجزء من إدارتها لمواطنيها يعتمد على التعبئة والإثارة الطائفية.
في كل مواسم الحج التي حدثت فيها مشكلات، كانت الإشكالية تعنت وإصرار إيران على مزاولة شعائر وعادات تتنافى وطبيعة الحج وظروفه، وفي المواسم، كانت المملكة تطلع الدول والمنظمات الإسلامية، على الأساليب الإيرانية المنافية لضوابط الحج، لكي يكون العالم الإسلامي على معرفة جلية بممارسات إيران وأهدافها، وكانت المملكة شفافة إعلاميا وحريصة في ذات الوقت على ألا يحرم مسلمو إيران من نيل شرف الحج إلى بيت الله تعالى، ولكن كيف تقنع المملكة إيران التي سيست الدين والطائفة، وخالفت كافة ثوابت الدين، وهي تخطط منذ سنين إلى حرف الشيعة عن مسارات الإيمان الحقيقية، بابتداع كعبة جديدة وحرمين شريفين جديدين.
من الناحية الإسلامية فإن مواقف المملكة واضحة، لن يكون هناك اعتراض على أي مسلم يود ويرغب في أداء شعيرة الحج وفقا للضوابط الإدارية والشرعية، والضوابط الأمنية المعروفة في كل دول العالم، كما أن المملكة لن تتهاون مع أي حاج مهما كانت جنسيته يرغب أو يعمل على تعكير صفو الحجاج، ويهدد أمنهم وسلامتهم، فأمن وسلامة الحجاج مبدأ مقدس لدى المملكة، ولا يمكن أن يكون خاضعا للرأي والتجاذبات والمداولات، ما لم تكن هذه المداولات لأغراض التنسيق وبما يعزز هذا المبدأ، ولا يتجاوز عنه.
إن للمملكة خبرة كبيرة لا يستهان بها في أعمال تفويج ملايين الحجاج والمعتمرين كل عام، ولم تصدر مشكلات كما يصدر عن المشاركة الإيرانية، وتحديدا المشاركين المحسوبين على الحرس الثوري والذين قدموا ليس للحج ولا لأداء شعيرة الحج، وإنما قدموا للتخريب، للإثارة الإعلامية والسياسية، ولعل بعض حوادث الحج التي طالت الإيرانيين كانت بفعل فاعل منهم، باستخدامهم غازات سامة، فقط كي يقولوا إن المملكة لم تعد قادرة على تنظيم الحج، هذا هو الهدف الرئيس لإيران، يقتلون الحجاج ويقتلون مواطنيهم، فقط لغايات سياسية قاصرة، ولكن الله سبحانه وتعالى عنهم ليس ببعيد.
منذ فترة لا تقل عن 6 أشهر كنا في ورشة عمل وأحد مراكز الدراسات الأجنبية، وكان الموضوع حول العلاقة مع إيران، وكنا نقول إيران دولة جارة ومسلمة وبيننا وبينها وشائج وروابط كبيرة، والشعب الإيراني مرهف الإحساس والمشاعر ومبدع، ولكن هناك فرقا ما بين مجتمع المواطنين والبشر ومجتمع السياسة ومتطلبات الجغرافيا، والإحساس والشعورالكاذب بالعظمة والدور، فإيران منذ ثورة الخميني وهي تعيش حالة ثورة لا تنقطع، لدرجة أن المواطن الإيراني، مل الشعارات السياسية والدينية، لأنه يرى أنه يساق إلى الحتف والموت تحت راية الدين، يعيش الفقر ويعالج الفقر بالدين، بينما تسرق ثروات إيران، ويكتنز رجال الدين المليارات، ويقتطع خامنئي حصة خاصة من مليارات النفط الإيراني لدرجة أنه يمتلك 67 مليار دولار في بنوك خارجية وبعض منها عربية، وهناك من يديرون أعمالها في مختلف دول العالم، وأن الشيخ رفسنجاني تسيطر عائلته على شركة النفط الإيرانية ويمتلك 12 مليار دولار، وهلم جرى، فيما يذبح المواطن الإيراني ويغسل عقله كغسيل الأموال، بثارات الحسين، والحسين منهم براء، براء من كل ما يهدم الحياة ويضر بالناس والنفس.
في ذروة الاشتباك الإيراني مع العالم الخارجي، تتكشف إيران أكثر من السابق، تنكشف خديعتها، وتدليسها وكذبها، فكيف يسمح الإسلام أن تهدم المساجد التي يذكر فيها اسم الله، دون أن يستنكرها السنة والشيعة معا؟ كيف تباد المدن والقرى في العراق وسوريا ونقول إن ذلك بأمر الله وإن ما يجري هو إيمان بالحسين؟، فأي خديعة تلك التي تحاول فيها إيران التفريق بين الجسد الواحد، بين الشيعة والسنة وهم إخوة وهم أهل وبيوت متجاورة وعلاقات ووشائج اجتماعية ونسب وقربى؟، من يرغب بكسر وتحطيم هذه العلاقات والروابط هو العدو الأول للإسلام والمسلمين من داعش أو الحشد الشعبي فكلاهما لا يمثلان الإسلام ولا يمثلان السنة والشيعة، وإنما يمثلان أجندات باتت مكشوفة للقاصي والداني، وهذا الانكشاف يدفعنا لمطالب علماء ومشايخ ومراجع الإسلام الحقيقيين، وليس المستأجرين، للقول الفصل، بأن دم المسلم على المسلم حرام.
إننا نتوجه إلى أهلنا ومراجعنا وعزوتنا من شيعة العرب، لأن يكون لهم موقف فصل، من تجارة إيران بالدين، فإيران لن تكون العمق الحقيقي للعرب سنة وشيعة، وعمقنا الحقيقي هو بلدنا وبلادنا العربية وعالمنا الإسلامي وعلاقة قائمة على العزة والرفعة والمحبة والتسامح.