نجحت الحكومة اللبنانية في تنظيم الانتخابات البلدية بعد غياب الحركة الدستورية لسنوات، وأتت الانتخابات بالتوازي مع ضائقة مالية كبيرة يعيشها نظراً للجفاف، الذي تعاني منه اوردته التي يتغذى منه اقتصاده على الصعيدين الاستثماري والسياحي، فهل يشكل الاستقرار الأمني الذي أضفته الانتخابات رافعة لعودة ديمومة الحياة السياحية في لبنان، أم أن الأمن ليس كافياً ويجب ان يستتبعه استقرار سياسي يتجلى أولاً في انتخابات نيابية ومن ثم رئاسية؟.
وإلى حين أن تعود أمجاد لبنان الى سابق عهدها قبل تدخل «حزب الله» في سوريا سيبقى الشعب اللبناني هو الخاسر الأكبر.
ليس هناك منع سفر إلى لبنان من الخليج
رأى وزير السياحة اللبناني ميشال فرعون في تصريح لـ«اليوم» انه «كانت هنالك آمال في العام 2015 وفرص كبيرة لموسم سياحي ناجح، الا ان أحد اسباب تعطيله كانت مشكلة النفايات في الوقت الذي أعطى فيه الاستقرار الامني الاجواء الكافية لتحريك النشاط السياحي، الا ان النتائج لم تأت كما كان متوقعاً بسبب تشويه صورة لبنان في أواخر تموز/ يوليو 2015 بسبب ازمة النفايات. من جهة ثانية، هذا الاستقرار الامني سمح ان يكون هناك نمو للحركة السياحية في آخر سنتين بشكل ملحوظ، اما المشكلات السياسية وطالما هي تبقى دون سقف الدستور والأمن، فهنالك بعض المناعة على القطاع السياحي ولو ان هذه المشكلات تؤثر على الثقة والنمو الاقتصادي بشكل عام».
وأوضح ان «القطاع السياحي الذي يملك بنية تحتية خاصة به بإمكانه التحرك مع بقاء هذا الاستقرار الامني، لاسيما انه وفي آخر اتصالات مع السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري ودول الخليج اكد انه ليس هناك منع سفر الى لبنان، بل هنالك ما يسمى الحذر لسفر الخليجيين الى لبنان».
وأمل فرعون أن «معاودة حركة الخليجيين نحو لبنان، التي انخفضت كثيراً من العام 2011 الى 2014، الا ان حركة السياحة ارتفعت قليلاً في العام 2015، الا اننا نبقى متفائلين بحذر في صيف 2016 بإمكانية تحريك هذه النشاطات».
عجلة السياحة تتحرك بوضع حد للتهجم على الأنظمة العربية
أكد نقيب الفنادق في لبنان بيار أشقر ان «الانتخابات البلدية التي حصلت في كل المناطق اللبنانية اكدت ان هناك استقراراً امنياً على الرغم من التشنج الحاصل في بعض المناطق الحدودية». الا انه اعتبر ان «هذا الاستقرار الامني لا يكفي، ان لم يكن يرافقه استقرار سياسي»، موضحاً ان «هذا الاستقرار السياسي هو الانقسام العمودي الحاصل في البلد وهو ايضا الخطابات العاصفة، التي تشنج الاوضاع وتجعل أهل الخليج يتخوفون من المجيء الى لبنان، كما ان الحكومات الخليجية تقوم بتحذيرهم من المجيء الى لبنان وقسم منها يقوم بمنع سفرهم الى لبنان».
وشدد على ان «اهل الخليج هم العمود الفقري للسياحة في لبنان عامة، وخاصة في موسم الاصطياف والسبب يعود الى القوة الشرائية الموجودة لديهم، التي ليست موجودة عند أي جنسية أخرى، بالاضافة الى ان مدة اقامتهم تعد الاطول بالمقارنة مع السياح الاخرين، فعلى سبيل المثال اذا اتى الاردني او الاجنبي الى لبنان فمعدل إقامته سيكون بين 3 و5 ايام، أما معدل الفترة التي يمضيها أهل الخليج فتبلغ في حدها الادنى 15 يوما، ومنهم من تصل اقامتهم الى نحو الشهرين».
وجزم أشقر بأنه «اذا لم يحصل وفاق محلي واقليمي وتم إلغاء التنبيه لمجيء السياح العرب الى لبنان فلن تكون لدينا مواسم سياحية ممتازة او حتى تحسن في فترة السياحة او الاصطياف»، لافتاً الى ان «نسبة اشغال الفنادق سنوية وقد نمر بفترة معينة يكون هنالك العديد من المؤتمرات والاجتماعات فترتفع عندها نسبة التشغيل، فالمشكلة لا تكمن هنا فقط، بل تكمن في الاسعار أيضاً، فالقوة الشرائية تسمح لأهل الخليج ان يدفعوا السعر المعطى والموافق عليه في وزارة السياحة، اما الجنسيات الاخرى فليست لديها الامكانات فتأتي الى لبنان ضمن مجموعات سياحية وتأخذ الاسعار المنخفضة وفي الوقت نفسه المضاربة الحاصلة في لبنان منذ خمس سنوات متتالية تجعل الاسعار تدخل في هذه المضاربة».
وختم نقيب الفنادق: «ما نتمناه هو وضع حد للتهجم على الأنظمة العربية أولاً، وثانياً نتمنى ان يحصل وفاق داخلي وهذا الوفاق يترجم لانتخاب رئيس جمهورية، كون هذا الوفاق الداخلي سيكون اقليمياً أيضاً، كي يعود لبنان على الخريطة العربية، ومن ثم ينتقل الى الخريطة الدولية».
إعطاء الضمانات المطمئنة للسائح الخليجي
وشدد رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية ـ السعودية ايلي رزق على انه «على الحكومة تقع مسؤولية اعطاء سفراء الدول المعتمدة في لبنان، خصوصاً سفراء مجلس التعاون الخليجي التطمينات الكافية واللازمة على الاستقرار الامني، الذي تنعم به البلاد بالمقارنة بدول الجوار، خاصة انه ليس هناك منع لقدوم رعايا دول مجلس التعاون الخليجي، بل هناك تحذير من حكومات تلك الدول لرعاياها بسبب عدم قيام الحكومة بما يلزم بإعطاء الضمانات المطمئنة، التي تطمئن السائح الخليجي».
وقال: «من هنا على كل القوى السياسية والوزارات المعنية أن تتضافر جهودها للقيام بحملة تسويقية للترويج للسياحة في لبنان لانقاذ الموسم السياحي، الذي يعاني من الضربات المتتالية منذ العام 2010 ما تسبب في إقفال العديد من المؤسسات السياحية وأدى الى صرف العديد من الموظفين، خاصة ان هذا القطاع حيوي وبإمكانه أن يوظف العديد من خريجي الجامعات من الشباب والشابات».
وختم رزق: «اذا تابعنا الارقام نجد ان هناك حجوزات لم تتجاوز 43 بالمائة في الفنادق مع معدل تشغيل غرف لا يتجاوز 80 دولارا لفنادق الأربعة نجوم ولا تتجاوز 150 دولارا لفنادق 5 نجوم، وهذه تعتبر ادنى مستوى متدني جداً مقارنة بالخدمات الفندقية الراقية، التي يقدمها لبنان مقارنة مع دول الخليج او دول الجوار».
نحتاج إلى ضوء أخضر
ورأى المحلل السياسي امين قمورية في تصريح لـ«اليوم» ان «الاجواء في لبنان مريحة ولكن لا اعلم ان كان سيحصل رفع لحظر قدوم السياح الخليجيين الى لبنان»، معتبراً ان «الاجواء الدستورية مريحة فيما يخص اجراء انتخابات نيابية ورئاسية بين آب/ اغسطس وتشرين الاول او الثاني/ اكتوبر ونوفمبر، فهذه الانتخابات تضفي اجواء مريحة في البلد وتنعكس على الصعيد الخارجي». الا انه اوضح ان «مجيء السياح، خاصة السائح الخليجي يرتبط مع موقف بلاده حيال هذا الامر، ولا بد من التنويه هنا بالدور السعودي الايجابي بهذا الشأن والاجواء الايجابية، التي لمستها من عشاء السفارة السعودية بالاضافة الى الحركة الفرنسية والفاتيكانية، عدا تصريحات رئيس المجلس النيابي نبيه بري بهذا المضمار، ولكن لا اعلم ان كان سيحصل ضوء أخضر أم لا»، مشدداً على ان «الانتخابات الرئاسية هي الرافعة الاساسية لعودة الموسم السياحي والدليل الاقوى على الاستقرار في البلد».
الأسواق المالية تنتظر أي استحقاق يضفي استقراراً
وشدد المحلل الاقتصادي والمالي طوني رزق في تصريح لـ«اليوم» على ان «الاسواق المالية تنتظر اي استحقاق يضفي استقراراً، فالمستثمرون ينتظرون دائماً الاخبار الايجابية، والعشاء الذي اقامه السفير السعودي خير دليل على ذلك، فلقد ترك انعكاساً ايجابياً في اوساط المستثمرين».
وأوضح ان «الاستقرار الذي ساد في الانتخابات البلدية يشجع كثيراً على عودة دورة الحياة السياحية في لبنان، كما انه اعطى فكرة ان كل القرى والاراضي اللبنانية آمنة والشعب يمارس حقه الديموقراطي والربوع اللبنانية جميلة، وهذا الامر يزيد الثقة بالعودة الى لبنان».
ورأى ان «هنالك عوامل اخرى يجب ان تستتبع هذا الاستقرار كأمور ثابتة وفيها ديمومة مثل الاتفاق على الرئاسة الجمهورية والاتفاق على قانون انتخابي، وايضاً الخروج من فخ القانون الامريكي في العقوبات على «حزب الله»، بالاضافة الى فخ عرسال والجرود، هنالك مطبات موجودة والناس ترى انه على الارض من الان الى ثلاثة اشهر الصيفية منيحة ولا شيء سيستجد والسياح سيأتون الى لبنان»، معرباً عن اعتقاده بأن «هذا الصيف سيكون مختلفاً سياحياً من جراء اجراء الانتخابات البلدية وستعطي دفعا كبيرا جداً».
وأشار المحلل الاقتصادي الى ان «زيارة الموفد الامريكي نائب وزير الخزانة الأمريكية دانيال غلايزر وجولاته على المسؤولين والتحدث عن الثروة النفطية اعتبرها طاقة جديدة انفتحت وسط حائط مسدود لوحدها تعد عامل جذب كبيرا جداً»، مشدداً على ان «العامل النفطي والثروة النفطية في البحر تجذب المستثمرين والممولين في لبنان والخارج، وهذا عامل موازٍ على امل التحسن السياسي والا يكون هنالك تدهور عسكري. بهذه الصورة الاجمالية اعتقد ان الوضع سيكون جيدا مع أن الحذر دائماً موجود».
نمو في لبنان بنسبة 21 % في أوائل 2015
وكان تقرير للجنة المنظمة للسياحة العالمية للشرق الأوسط، التي عقدت اجتماعها الأربعين في دبي في ايار/مايو من العام الماضي، قد افاد بأن «لبنان سجل نمواً سياحياً بلغ 21 بالمائة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2015 مقارنة بالفترة نفسها من العام 2014، في الوقت الذي شهدت فيه مصر زيادة بنسبة 6 في المائة و12 في المائة في دبي، وتراجع في تونس والمغرب».
وأشار التقرير الى «ان لبنان شهد موسم تزلج ممتازا هذا الشتاء، حيث ارتفع عدد الزوار القادمين من الأسواق التقليدية، في الوقت الذي عانت منه الأردن تراجعا في الأشهر الأولى من العام 2015، كما شهد كل من المغرب وتونس نكسة مماثلة، ما أثر سلبا على قطاع السياحة والسفر».