«سلم ولدهم يا الله خله لأمه يا الله.. قرقع قرقع قرقيعان بين اقصير ورميضان.. عادت عليكم صيام كل سنة وكل عام»، هكذا بدأت أصوات الأطفال وهم يتجولون بين أحياء الأحساء وبلداتها خلال الأيام الماضية، وهم يرددون أيضا غيرها من الأهازيج الشعبية الموروثة، والقرقيعان ظاهرة احتفالية ليلية في منتصف شهر رمضان المبارك وتكون ليوم واحد وهو يوم 14 ليلة 15 من شهر رمضان وقد تمتد لثلاثة أيام من الشهر الكريم، ومن الطريف أنه في ليالي القرقيعان الجميلة قد يبلغ الجهد والتعب مبلغه لدى الأطفال بعد ليلة حافلة من التجول البهيج بين بيوت الجيران في الحارة وبيوت الأقارب، والآن بدأ القرقيعان يأخذ طابعاً أسرياً فتجتمع الأسرة الواحدة وخاصة النساء والأطفال في بيت رب الأسرة يلبسون أزياءهم الشعبية الخاصة بهذه المناسبة الاجتماعية وتتم الاحتفالية بنكهتها القديمة في صورة حديثة متوشحين بعبق الماضي من لباس وأهازيج وحلويات وتجهيزات تحمل التراث وذكرياته، ويعتبر القرقيعان من العادات الاجتماعية التراثية وهدفه إدخال البهجة على الأطفال. ويرى عبدالملك الربيع أن القرقيعان عادة اجتماعية جميلة وهي مناسبة تجمع الأقارب وتدخل الفرح في قلوب الأطفال، حيث قال: يتوافد الأقارب من كل مكان حتى من خارج الأحساء لأجل المشاركة في القرقيعان، فهناك بعض الأقارب والأصدقاء لا نراهم إلا في مثل هذه المناسبات الاجتماعية التي تشجّع فينا روح التواصل والتكاتف، وكانت المشاركة في القرقيعان من الطفل الصغير حتى الرجل الكبير، ولكن مع تغيّر الأحوال أصبحت مناسبة خاصة بالأطفال، فهي عادة تراثية تخص أهالي الخليج العربي.
ويؤكد أحمد بوطيبان أن قرقيعان في وقتنا هذا يختلف عن السابق ولم يتبقَّ من المناسبة إلا اسمها فقد خرجت من إطار البساطة والعفوية وأصبحت للتباهي والتفاخر مما أفقدها قيمتها التراثية الأصيلة، والأطفال الآن لا يقبلون على مناسبة القرقيعان ولا يفرحون بها مثل الماضي نظراً لتوافر الحلوى بين أيديهم طوال العام بعكس زمان، ويشير بوطيبان إلى ظهور شكل جديد من القرقيعان وهو قرقيعان داخل المنزل بين أفراد الأسرة الواحدة يتم وضع كوشات خاصة بالقرقيعان وتحف فارهة وشوكولاتة، وعلب تضم زجاجة دهون العود بتصاميم خاصة وصناعات تجلب من الصين خصيصاً للقرقيعان حتى إن سعر العلبة الواحدة للقرقيعان يصل إلى مئات الريالات.
ويقول خالد الفريدان: القرقيعان مناسبة تحرص الأسر على إقامتها سنوياً لما لها من إدخال السرور على الأطفال، وهم متوشحون باللباس الماضي الجميل مرددين أجمل الأهازيج والأغاني الشعبية، مؤكداً أنه أشبه بالعيد لدى الأطفال لما يلبسونه من حلي وملابس جديدة، ويشير الفريدان إلى أن بعض الأسر تحيي هذه المناسبة بجلب (بوطبيلة) مردداً الأهازيج التراثية وسط فرحة الأطفال المحتفى بهم، متمنياً استمرار هذه العادة والتي تتميز بها الأحساء منذ عقود. وأوضح أحمد الملا (صاحب محل لبيع الحلوى والمكسرات) أن أسواق الحلويات والمكسرات جاهزة منذ وقت مبكر، وافتتحت أبوابها لاستقبال الزبائن، مبيناً أن الزبائن يحرصون خلال هذه الفترة على الحصول على المكسرات ذات النوع الممتاز والتي تشهد إقبالاً ورواجاً بمناسبة القرقيعان الشعبية، وأضاف: هناك طرق عديدة لتقديمه، حيث بعض الزبائن يرغب في تقديمه عن طريقة المناسف الشعبية، أو خوص النخل، أو الأكياس الصغيرة، أو عن طريق تعبئة الكراتين والأكياس والعلب الصغيرة وهذه الطريقة المحببة للأطفال إضافة إلى جانب الإقبال على شراء السلال والعلب والصناديق المزخرفة والفاخرة، التي تحمل الطابع التراثي والشعبي، بالإضافة إلى دمى الشخصيات الكرتونية الشعبية.