DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C
ramadan-2025
ramadan-2025
ramadan-2025

معجزة إنسان منطقة الباحة

معجزة إنسان منطقة الباحة

معجزة إنسان منطقة الباحة
•• مع بقية الركاب.. قابلت حالة إرباك وخوف وترقب.. تذكرت الآية الكريمة: [فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشرِكُونَ] الروم (65).. شاهدت حالات إغماء وتقيؤ.. كان هذا هو الحال عند البعض في سماء منطقة الباحة.. في ظل الهلع.. لا صوت من مسئول الطائرة يشرح ويطمئن.. أخيرا هبطنا بسلام.. هذه أرض العقيق.. أحمل طعم بلحها الأصفر.. كنت طفلا أنتظر موسم قدومه إلى سوق السبت الشهير بمدينة بلجرشي. •• استعنت بصديق لاستقبالي.. كان يوم جمعة.. كنت أرسلت سيارتي مع ناقل يقدم الخدمة.. ذهبنا لموقعه.. انتظرنا في الشارع.. جاء من ينادي: لا يفتحون مكتبهم قبل الرابعة عصرا.. وصلت مطار العقيق الساعة الواحدة والنصف.. قرر الصديق استضافتي.. وما تبقى لي من أفراد العائلة في بيته في محافظة بلجرشي.. بعد الغداء رجعنا إلى الناقل. •• غيابي الطويل الأول عن القرية سبب لشخصي صدمة لا يمحوها الزمن.. غادرت قريتي عام (1971) من القرن الميلادي الماضي بعد عيش ومعايشة استمرت ثلاث سنوات.. لي قصة مع السفر.. سفري الأول كان عام (1960).. درست أول ابتدائي في بقيق.. في الصف الثاني.. رجعت إلى القرية بعد افتتاح مدرستها.. مكثت حتى اشتد عود المدرسة.. بعد الصف الخامس غادرت القرية مرة أخرى إلى بقيق.. أكملت تعليمي حتى نهاية المتوسطة.. ولعدم وجود مدرسة ثانوية في بقيق.. رجعت إلى قريتي (الطلقية) لأدرس الثانوية في بلجرشي.. ثلاث سنوات مشيا على الأقدام لمسافة تزيد على خمسة كيلومترات ذهابا. •• في فترة سنين الثانوية.. استوعبت كل التراث المهاري الزراعي.. والاجتماعي.. والسياسي.. والاقتصادي في القرية.. استوعبت البيئة.. والعادات.. والتقاليد.. و(البروتوكولات) التاريخية الحازمة.. تعرفت على مسرح البيئة شبرا شبرا.. شجره ومدره وعصافيره.. أنعامه وحشراته.. الجميع كان يشكل جسم حياة القرية.. رسبت في الثالث الثانوي.. أصبحت فلاحا مثل بقية رجالها في ذلك الوقت.. فضل الرسوب يعود لعمي (فرحان) -يرحمه الله-.. سافر أخوه (حامد) إلى الشرقية شابا يافع السن والملامح.. ترك خلفه بلاده الزراعية.. تركها أمانة لدى أخيه (فرحان).. فكان أن وجد في شخصي الطري ضائعته. •• علمني عمي كل شيء.. كنتيجة تعلقت بالزراعة.. أعطيتها الاهتمام الأكبر عن الدراسة.. النتيجة رسوب مدوٍ في الثانوية العامة.. لم أقدم دور ثاني.. كنت عاقد العزم على الاستمرار في النشاط الزراعي.. لكن أبي -يرحمه الله- كان يحمل مشروع تعليمي.. شعر بكبر حجم غلطته بابتعاثي للدراسة في الديرة.. بعد الرسوب قرر حملي من جديد مع الأسرة إلى المنطقة الشرقية.. هذه المرة إلى مدينة الدمام. •• القصة تطول.. واصلت الدراسة في المجال الزراعي إلى أن حصلت على الدكتوراة.. خلال هذه الفترة لم أزر القرية.. لكن بقيت محتفظا بكل صور فترة المغادرة.. في عام (1994) قررت زيارتها.. وقد بنى الوالد بيتا جديدا من الخرسانة المسلحة.. كان ذلك في غيابي أثناء الدراسة العليا.. ذهبنا جميعنا مع إخوتي وأخواتي وأمي وأبي لافتتاح البيت.. وصلت القرية.. لم أجدها.. لم أجد أي صورة من الصور التي أعرفها.. قررت الرجوع فورا.. (نهرني) الوالد بطريقة جعلتني استسلم لما يقول. •• من عاش تدرج التغيير لا يحس بمدى قسوة التغيير.. عشت فجأة نتائج التغيير.. غادرت بعد شهر إلى الشرقية.. لم أعد بعدها.. ظلت الغربة تلازمني.. قطعتها بزيارة هذا العام (2016).. زيارة تحققت بعد موت والدي.. شعرت بعظم المسئولية.. عليّ واجب توريث (البروتوكولات) بكل إتقان. •• بهذه الزيارة وجدت منطقة الباحة كتابا مفتوحا.. عليّ قراءته كجزء من مهمتي.. اشتد عودي.. تصلبت مفاهيم شخصي.. في ظل تراكم خبرتي العلمية والعملية.. بدأت بقراءة مشاهد المنطقة.. قادت في اتجاهات أهمها الماء.. أتت هذه الزيارة بعد انتهائي من تأليف كتابي الثالث عن الماء.. كتاب خاص بالمنطقة.. كتاب يحمل مشروع بناء المستحيل. •• أنجزت قراءة بعض قصة إنسان منطقة الباحة.. رأيته أكثر شموخا من جبالها.. أعظم صلابة من صخورها.. قرأت قوته في تضاريس الأرض وتحدي بيئتها.. وصلت إلى قناعة بأن إنسان هذه المنطقة كان يمكن أن يكون من أثرياء العالم.. (لو حافظ على أمواله لسيطر على الشرق الأوسط).. تأكدت لي هذه المقولة للصديق الدكتور محمد إبراهيم الزرعة.. كان قد رافقني لزيارة المنطقة في تسعينيات القرن الماضي.. أهل رجولة ومرجلة.. مكاسبهم المالية استثمروها للبناء والتعمير.. أصبحت الخدمات تطاردهم وتسعى إليهم.. لم ينتظروا.. معجزة إنسان منطقة الباحة تحقيق المستحيل.