أكد الناقد الدكتور سعيد السريحي إن شيوع حالة السرية في المجتمعات العربية ينذر بمخاطر شديدة على حالة الوعي العام، ذلك لما يملكه السر -أي سرـ من سلطة تسير بالمجتمعات باتجاهات بعيدة عن الشفافية والوعي وهو ما يجعلها تعيش في خوف وقلق دائم.
جاء ذلك في محاضرة قدّمها السريحي مساء أمس الاول في منتدى حوار الحضارات بمحافظة القطيف، الذي أداره راعي المنتدى فؤاد نصر الله.
في بداية الحديث، سرد السريحي قصة الشاعر الزاهد صالح عبدالقدوس مع الخليفة العباسي المهدي، الذي أمر بإعدامه، لبيت شعر قاله تضمن أنه كان يحتفظ بسر ولم يقله، وإنما أعطى إشارة بوجوده بقوله: «رب سر كتمته فكأني اخرس او ثنى لساني عقل.. ولو أني اظهر للناس ديني لم يكن لي في غير حبسي أكل». حسب رواية ابن القارح في رسالته لأبي العلاء المعري، وقال إن المهدي لم يكن يسأل الشاعر عن دينه، ولا عن زندقته، وإنما كان يسأله عن السر الذي لم يكن يبوح به لأحد، وأشار له في شعره بما أفضى إلى قتله، مع أن القتل كان أمرا محسوما، فــ «الجريمة التي استحق بموجبها الشاعر القتل ليست في مضمون السر بل في السر نفسه، ليس فيما يمكن أن يخفيه، بل في عملية الإخفاء في حد ذاتها، فالسلطة المتمثلة في المهدي لا يمكن لها ان تتعامل الا مع ظاهر وواضح ومعلن، ولها أن ترضى عنه بعد ذلك أو تسخط، تثيب وتعاقب»، وهي لا تريد في الحقيقة إعلانا للسر وكشفا عنه، بل تريد الا يكون سر يحتاج إلى السؤال عنه، فوجود السر يعني ارباكا للسلطة وإلغاء لقدرتها على الوعي بما يجري تحت سلطانها، وهذا ما يعطي للسر نوعا من السلطة.
واضاف إن السر لا يتحقق له أي وجود موضوعي دون أن يعبر عن نفسه باعتباره سرا، فلو لم يقل صالح عبدالقدوس: «رب سر كتمته» ما عرف المهدي أن لديه سرا ولا سأله عنه، فالقوة المستمدة من السر لا يكتسبها حاملها ما لم يشعر مَنْ حوله بأنه يخفي شيئا.
ولفت السريحي في الامسية، التي حفلت بمداخلات متعددة من الشخصيات الحاضرة إلى أن سطوة السر لا تتأتى من خلال كونه جزءا محجوبا من الحقيقة، كما أن وجود السر لا يعني اننا نملك حقيقة أو معلومة منقوصة تكتمل بمعرفتنا به، وإنما مكمن الخطورة أنه ينطوي على احتمال أن يكون كل ما نعلمه وهما وخطأ، فالسر قد ينطوي على ما يجعل الوعي زائفا، كما يمكن ان يفضح أننا نعيش في كذبة كبرى حين يكون متضمنا ما يناقضها أو ما ينقضها، وهو ليس بقية مختفية من العلم ما دام احتمال أن يكون نقيضا لذلك العلن واردا.