قال البحار الناجي من الموت في قارب الجبيل الغارق عبده محمد عيد، أن حادث غرق القارب سيظل ذكرى قد تلازمه طوال العمر من هول الموقف وخطورته بعد ان قضى يومين كاملين في عرض البحر عاش خلالهما على شرب المياه المالحة، معرضا لخطر الغرق أو الوقوع فريسة للأسماك الكبيرة في أي لحظة، بينما عقله لم يتوقف عن التفكير في النجاة من هذا الموقف العصيب.وأوضح لـ«اليوم»، إنه مدين بحياته لرجال الدوريات البحرية بالجبيل بعد نجاحهم في انقاذه وانتشاله من البحر وتقديم الطعام والمياه له، ونقله على الفور الى مستشفى البحرية للكشف والاطمئنان على حالته الصحية واجراء الفحوصات الطبية اللازمة، حتى حضور كفيله لاستلامه، وقال: حقيقة لا أجد من الكلمات ما أعبر به عن شكري وعرفاني لهذا الاهتمام والرعاية.
##مصارعة الأمواج
وأوضح البحار «عيد» أنه من مواليد برج البرلس التابعة لمحافظة كفر الشيخ بجمهورية مصر العربية ويبلغ من العمر «41 عاما» ومتزوج وأب لولد وثلاث بنات وهم: عزت 13 عاما وعلياء 9 أعوام وآلاء 6 أعوام ورقية 3 أعوام.. وله ثلاثة اخوة وأختان وهو أصغرهم ووالده متوفى.
ويضيف «عيد» مستعيدا ذكريات لحظات الخوف والهلع التي عاشها أثناء مصارعته الأمواج والرياح في عرض البحر ولا يوجد معه سوى الله- سبحانه وتعالى- الذي نجاه بقدرته، أنه كان في موقف لا يحسد عليه نتيجة الخوف والقلق مما أثر عليه نفسيا وجسديا بعد إصابته بشد عضلي في ساقيه، ولم يعد يشعر بهما اضافة إلى الجوع والعطش وأيضا يداه اللتان تشبث بهما في قطعة الخشب التي نجا بفضلها بعد إرادة الله - سبحانه وتعالى-، ولم يتسرب اليأس الى نفسه ولم يستسلم رغم توتر الاعصاب وأعضاء جسده وكان يحسن الظن بالله لانه المحيي والمميت، واستمر في الدعاء طوال مدة بقائه في البحر، ورغم ذلك فقد شعر باقترابه من الموت وهو يصارع الامواج في بحر عميق ووسط أسماك مفترسة.
##طعام العشاء ويروي «عيد» تفاصيل اللحظات العصيبة قائلا: ليلة الحادث توقف القارب للراحة ليلا وقمنا بإعداد العشاء وتناول جميع البحارة الطعام وتجاذبوا أطراف الحديث نظرا لارتباطهم بعلاقة طيبة ومعاملة أخوية على المركب بسبب العشرة الطويلة رغم اختلاف الجنسية، وبعد العشاء ذهب كل فرد للخلود للراحة حتى الصباح لمواصلة الإبحار والصيد من جديد، إلا أن الحادث وقع وتفرق الجميع خلال لحظات قليلة مر خلالها امام عينه شريط ذكريات طويل لمن عاش معهم ورحلوا فجأة، وستظل ذكرى مؤلمة لا تنسى.
ضوئية لما نشرته (اليوم) عن الحادث أمس
##أمن وأمان
ويضيف عبده ان خبر الحادث وصل لأهله في مصر عن طريق أحد أصدقائه ولم يكن يعلم بذلك وفوجئ باتصال من والدته التي انهمرت في البكاء عندما سمعت صوته ولم تصدق أنه يتحدث إليها وقالت له: ارجع مصر يا عبده وذلك من حبها لي وخوفها علي، إلا أنه طمأنها بأنه يعيش في أمن وأمان بالمملكة العربية السعودية، وكل شيء بتقدير الله، وهذا رزقه كما اتصل بزوجته وأبنائه وأخبرهم أنه بخير ونجا من الغرق، وكانوا يبكون بسبب الحادث المؤلم، ولكن عندما سمعوا صوته اطمئنوا وفرحوا خاصة ابنه وبناته.
معاملة طيبة
ويقول: إن شاء الله سأسافر للاطمئنان على والدي وأسرتي قريبا ولن أترك العمل مع كفيلي وسأستمر خاصة وانني مرتاح وراض تمام الرضا عن معاملته الطيبة والذي قدم لي العون والمساعدة ومنحني راحة من مزاولة أي عمل.
.. ومع صاحب القارب خليفة الدحيم (تصوير: محمد العواد)
##بحرية الجبيل
وأعرب «عبده» عن الشكر الجزيل لجميع الجهات التي شاركت في تقديم المساعدة له منها بحرية الجبيل وحرس الحدود بالجبيل والقطيف، إضافة لكفيله خليفة الدحيم الذي لم يدخر جهدا في انهاء الاجراءات المتعلقة بالحادث والمساعدة التي وجدها منه.
##تأثير نفسي
ومن جانبه، قال صاحب القارب خليفة عبداللطيف الدحيم، إن ثلاثة بحارة من الجنسية الهندية أعمارهم «41، 25، 20 عاما» والرابع الناجي المصري 41 عاما يعملون على القارب وتربطه بهم علاقة طيبة ومعاملة حسنة ولكن قدر الله وما شاء فعل، وأحمد الله على كل حال، واوضح الدحيم: لا شك أن فقدان البحارة والقارب له تأثير نفسي خاصة وأن بعضهم يعملون معي لفترة تتراوح بين 10 الى 25 عاما ولديهم خبرة ومهارة في القيادة والصيد، مشيرا الى انه يتابع البحث عن البحار المفقود والقارب، علاوة على اجراءات حرس الحدود بالجبيل والقطيف لإنهاء معاملة نقل جثماني المتوفين إلى بلدهما تلبية لطلب أسرتيهما بالتنسيق مع الجهات المختصة، والحمد لله وجدنا منهم التعاون والمساعدة، وأيضا أقوم بمراجعة استخراج تقارير الحادث مع الثروة السمكية والبنك الزراعي والمواصلات والاتصالات؛ لإثبات غرق القارب، معربا عن شكره للجهات المختصة على التفاعل مع إنهاء الإجراءات، وجهودهم الملموسة في خدمة المواطن والمقيم على حد سواء.
.. ويروي تفاصيل حادث غرق القارب لـ (اليوم)
##مصدر رزق وبنبرة يكسوها الحزن والأسى يقول الدحيم: ما يحزنني ويكدر خاطري هو فقد قاربي الذي يعد مصدر رزقي وأسرتي والذي كلفني حوالي 500 ألف ريال، ومازلت أسدد اقساطه لبنك التنمية الزراعي، ومتبق منها 180 ألف ريال، علاوة على معدات صيد تقدر قيمتها بـ 60 ألف ريال، ولا يوجد لدي أي عمل أو دخل آخر سوى مهنة الصيد، علاوة على المبالغ المترتبة على نقل وإرسال جثماني المتوفين إلى الهند وأمور أخرى، وجدد الدحيم الشكر لجميع الجهات المشاركة في البحث المتواصل عن البحار المفقود والقارب، كما عبر عن شكره لصحيفة «اليوم» على متابعة الحادث أولا بأول وتبني قضايا المجتمع.