عودة للحديث حول هذا الموضوع، يمكن القول ان الخصخصة لم تعد خياراً في وقتنا المعاصر، بل واقعاً يجب التعامل معه، وتهيئة السبل للانتقال من النظرية الى التطبيق. واظهرت تجارب البلدان المتقدمة التي سبقتنا اليه في التطبيق لما للتخصيص من فوائد ومثالب. اما الفوائد فتتمثل في تنشيط دور القطاع الخاص ومساهمته التنموية وخفض كلفة التشغيل وتخفيف الاعباء عن الاجهزة الحكومية والضغوطات والموازنات السنوية للدولة، ومردود ذلك على الانفاق الحكومي للتفرغ للعملية التنموية بكفاءة عالية وفاعلية.
واما المثالب فتتمثل في ارتفاع القيمة المبيعة للخدمة، وان كنا نرى ان ذلك يمكن ان يغطيه خفض كلفة التشغيل وتحقيق هامش من الربح مجز لا يتوجب معه رفع القيمة المبيع بها الخدمة، وخاصة في ظل اقتصاديات السوق والمنافسة والحد من الاحتكار، والامر الآخر هو ما يترتب على الانتقال الى الخصخصة من خفض قوة العمل وتسريح بعض العاملين لخفض كلفة التشغيل نتيجة التنظيم والادارة الجيدة التي تقوم على الفلسفة التجارية البحتة من حيث الربح والخسارة، اضافة الى استقدام التكنولوجيا المتقدمة، وما يهمنا في هذا المقام هو الرقم الذي يمكن اضافته على البطالة جراء هذا التحول.
فحسنا تنبهت الحكومات الخليجية لذلك من خلال قيام بعضها باقرار برنامج للتقاعد المبكر مع بعض المزايا التقاعدية تتمثل في التعويضات المجزية نسبيا لعدد من فئات العاملين الذين سيسرحون بعد التحول الى الخصخصة. ففي البحرين اقرت الحكومة تعويضاً يتراوح مقداره من عشرين الى اربعين مرتبا مع اضافة عشر سنوات افتراضية على الخدمة قد يكون مناسباً ومجزياً لفئات عمرية معينة من العاملين، وخاصة ممن اقتربت اعمارهم الزمنية من سن التقاعد ولهم من سنوات الخدمة مع الاضافة الافتراضية ما يؤهلهم للحصول على نسبة من المعاش التقاعدي قد تصل الى 80% اضافة الى التعويض المالي لعدد من المرتبات قد يصل الى اربعين مرتباً. اما من خدموا عشر سنوات وهو اقل عدد من السنوات للاستحقاق - واضيف له عشر اخرى افتراضية فلن يتعدى المرتب التقاعدي 40% من المرتب المستحق حالياً، ومهما بلغت التعويضات المالية المباشرة فان سنوات من التعطل عن العمل كفيلة بتآكل ونفاد تلك التعويضات التي سوف تغطي الفرق بين المرتب التقاعدي والمرتب الذي كانوا يتقاضونه قبل التقاعد.
وفي تصورنا الخاص ان من الحلول الممكنة لمواجهة مثل هذا الاحتمال هو اعداد برامج تأهيل او اعادة التأهيل والتدريب لاولئك العاملين يمكنهم من الانخراط في سوق العمل بشكل مباشر، ونحن نرى ان اسواق العمل الخليجية قادرة على استيعاب تلك العمالة نظرا للتواجد المكثف من العمالة الاجنبية غير الماهرة او المتخصصة تخصيصاً شديداً ونادراً في اسواق العمل، وبرامج التدريب والتأهيل او اعادة التأهيل يجب ان تكون انتقائية وبدقة بالغة لما يمكن ان تستوعبه اسوق العمل دون عناء وبمرتبات مجزية وقريبة من الاجور السائدة او التي كان يتقاضاها اولئك العاملون.
ومن الممكن كذلك ان يتم تمويل جزء من البرامج التدريبية والتأهيلية من التعويضات المستحقة وتتحمل الحكومة او صندوق التقاعد الجزء الآخر، على ان يكون ذلك اختيارياً لا الزامياً لمن يرغب من العاملين في الانخراط في تلك البرامج، وحتى من يرغب منهم في اقامة مشروعه الخاص ويموله من التعويضات يجب ان يخضع لبرامج تدريب اختيارية في كيفية حسن ادارة مشروعه الخاص، بل يمكنه ان ينخرط في برامج تأمينية بضم خدمته السابقة وتسديد اقساط التأمين المستحقة من دخله الشهري او السنوي لاستمرارية تمتعه بالغطاء التأميني ان رغب في ذلك .. نأمل ذلك.