اليوم وقد كشفت أضواء وسائل الإعلام والواقع على أرض العراق الصعوبات الجمة التي تتعرض لها قوات الاحتلال الأمريكي ـ البريطاني في مدن وقرى العراق بعد إعلان الرئيس بوش رسمياً انتهاء العمليات العسكرية في الأول من مايو المنصرم، يبدو من المهم والضروري التفكير ملياً في طبيعة وأبعاد السيناريوهات المحتملة التي سوف تشهدها المنطقة، وخصوصاً طبيعة الاستراتيجيات التي سوف تؤطر سياسة واشنطن والعواصم الأوروبية تجاه منطقة الخليج.
وفي هذا الإطار وإدراكاً من الاتحاد الأوروبي لأهمية الحوار كمبدأ تأسيسي لصياغة وتطوير استراتيجيات مستديمة على المدى الطويل، تبنت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مبدأ بناء شراكات بين الدول الهدف من ورائها ضمان الأمن وإرساء الاستقرار في العالم. ولم تدّخر الدول الأوروبية جهداً من أجل تجسيد هذا المبدأ من خلال تعزيز ودعم برنامج الشراكة مع دول حوض البحر المتوسط والمساهمة في تحريك والدفع بعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إضافة إلى الجهود التي يبذلها الاتحاد الأوروبي لتمتين علاقاته مع دول مجلس التعاون الخليجي. ويولي الاتحاد الأوروبي اهتماماً خاصاً لتطوير العلاقات مع كل من إيران والعراق واليمن ضمن أجندة السياسة الخارجية للاتحاد.
غير أنه وعلى الرغم من إرادة أوروبا القوية لتعزيز التعاون مع الدول العربية، فإنها لم تنجح إلى يومنا هذا في تكريس سياستها تجاه منطقة الخليج. وقد برز فشل جهود أوروبا الدبلوماسية بجلاء خلال الأزمة الأوروبية - الأمريكية حول قرار واشنطن الأحادي بشن حرب ضد العراق وفشل أوروبا في إقناع الولايات المتحدة بالإقلاع عن نهجها الإمبريالي تجاه العراق. ومن المثير للاستغراب أن سياسة الحوار الإيجابي التي اتبعتها أوروبا لم تفشل على مستوى العلاقة مع الولايات المتحدة فحسب، بل وأكدت فشلها داخل أوروبا ذاتها، حيث إن الدول الأوروبية لم تتوصل إلى رأي موحد حول الأزمة العراقية، خصوصاً عند مواجهتها للتحدي الأمريكي وإصرار إدارة بوش على تنفيذ مخططها أحادي الجانب.
وفضلاً عن افتقار واشنطن وحلفائها إلى مسوغ يستند إلى الشرعية الدولية لشن الحرب ضد العراق، لم تُـعد واشنطن أي أجندة عملية خاصة بفترة ما بعد انتهاء العمليات العسكرية. وتعتقد الولايات المتحدة أن دولاً أعضاء في مجلس الأمن، وخصوصاً فرنسا وألمانيا، تتحمل مسؤولية فشل الجهود السلمية واضطرار أمريكا وبريطانيا بالتالي إلى العمل العسكري.
وعقب الإعلان الأمريكي عن انتهاء العمل العسكري داخل العراق، تخلل موقف واشنطن المزيد من التردد في ما يخص إحياء سياسة الحوار والتعاون مع الدول الأوروبية التي رفضت المشاركة في الحرب، على الرغم من أن هذه الدول يربطها تحالف مع واشنطن دام عقوداً عدة من الزمن.
وعلى الرغم من أن الموقف الأمريكي بات أقل تشدداً وصرامة، ومرد ذلك رزمة الصعوبات والعراقيل التي تواجه القوات الأمريكية في العراق. فخلال مائة يوم منذ الإعلان عن إيقاف العمليات العسكرية الميدانية في العراق، لقي 55 جندياً أمريكياً حتفهم، إضافة إلى تعاظم التكاليف المالية، والتي فاقت توقعات المخططين الاستراتيجيين في البيت الأبيض.
ومن الواضح أن إدارة بوش لا تمتلك اليوم خيارات كثيرة سوى إعادة النظر في قناعاتها حول جدوى نهجها الأحادي في القضايا المتصلة بعراق ما بعد صدام. ويبدو أن الاتحاد الأوروبي هو الآخر يدفع اليوم ثمن فشل سياساته القاصرة في مجال التعاون والحوار الإيجابي.
ولكي يضطلع الاتحاد الأوروبي بدور ريادي على الساحة الدولية ويكتسب القدرة على ترجمة مبادئه السياسية إلى سياسات عملية، يتعين على الاتحاد الأوروبي مأءسَسة أساليب عمله والتوجه نحو المزيد من التنسيق على مستوى السياسات الخارجية لأعضائه بهدف توحيد الرؤى والإسهام بشكل أكبر في تحقيق السلام والاستقرار في العديد من بؤر التوتر حول العالم. علاوة على هذا، من الضروري أن يعزز الأوروبيون مقدراتهم العسكرية من خلال توحيد موارد دولهم وتشكيل قوة عسكرية قادرة على أن تنافس القوة العسكرية للدولة العظمى.
والعالم اليوم يشهد هيمنة أمريكية على مسرح دولي تطبعه سمة الأحادية القطبية وإدارة أمريكية تضرب بعرض الحائط مفهوم التعاون المتبادل مع حلفائها، ينبغي أن يعمل الاتحاد الأوروبي جدياً على إيجاد صيغة سياسية قادرة على وضع حد نهائي لأحادية اتخاذ القرار السياسي على المستوى الدولي وتعزيز سياسة الحوار الإيجابي لما فيه مصلحة الشعوب المتعطشة للسلام والأمن الدوليين.
@@ عن مركز الخليج للأبحاث