في موضوع سابق تناولنا جانبا من خصائص العقلية العربية وعوامل الضعف التي تعتري الخطاب الإعلامي الرسمي الموجه الى هذه العقلية, واستكمالا للحديث نقول ان العديد من وسائل الإعلام الرسمية ابتعدت كثيرا بخطابها عن واقع مجتمعاتها, وكي لا تختلط علينا الأمور فدعنا نتناولها واحدة تلو الأخرى, ولنبدأ بما يفترض انها الأكثر جماهيرية والأشد تأثيرا ألا وهي القنوات التليفزيونية, فالمتابع لما تعرض له العديد من تلك القنوات ـ ان لم يكن يعيش واقع البلدان التي تبثها ـ ربما شعر وللوهلة الأولى ان تلك الشعوب تعيش حالة من الترف ورغد العيش لا يؤرقهم سوى بعض المشكلات الجانبية مثل مشكلة الحب والغرام التي يبحثون لها عن حل جذري من خلال ما يعرضونه من أفلام ومسلسلات وأغنيات وطرح جاد في برامج تهدف الى حل هذه المشكلة, اما الصحة والتعليم والإسكان والماء والكهرباء وكافة هذه الخدمات والمرافق فلا مشاكل فيها, جانب آخر من فترة البث لهذه القنوات يقسم بين برامج دينية غير مكثفة.. وبرامج رياضية تتناول رياضة اليخوت والجولف والتنس, أما برامج المرأة والطفل فما تتميز به هو الرتابة والملل فالوقت المستغرق في اعداد طبق اليوم يكفي لان تطلب وجبتك من المطعم لتصلك وتنتهي من أكلها وتنام وتصحو لتجد ان طبقهم لم ينضج بعد, وأما عن الشخصيات الكرتونية والبرامج الموجهة للطفل فلا أدري لماذا يفترض مصمموها ومعدوها البلاهة والغباء في اطفالنا؟ فبعض تلك القنوات لا تعرف غير ألعاب (الحجلة) والكراسي المتحركة ونفخ طبق الطحين الذي في قاعة عملة معدنية للوصول اليها!! ما بقي من وقت قصير من ارسال هذه القنوات يخصص للبرامج الاخبارية التي تصدم عندما ترى ان العديد من مذيعيها يفتقدون الطلاقة والفصاحة عند قراءتهم للنصوص الإخبارية, أما برامج المسابقات والبرامج التوعوية فلا تكاد تستطيع ان تحصر جملة الأخطاء التي تحويها, فأي مصداقية تريد ان تكتسبها تلك القنوات وأي حديث يمكن للعقلية العربية ان تقبله منها؟ والصحافة هي الوسيلة المقروءة من هذه المنظومة الإعلامية, وتطور وسائل الاتصالات وتقنيات المعلومات ساعد على سرعة الحصول على الخبر ووضعت تلك الوسيلة أمام تحد صعب للحفاظ على هويتها والاحتفاظ بمحبيها وعشاقها مما يستوجب حضورا واسعا لها في كافة الميادين وألا تقتصر معلوماتها على ما تحصل عليه من وكالات الأنباء وترجمة مواقع مثيلاتها الكبرى عالميا من على شبكة الانترنت هذا في الجانب الإخباري, اما في الجوانب المحلية والأدبية والثقافية فانني أرى انه لا حاجة لأحاديث المجالس والديوانيات او ما اسميه أنا ـ ان سمحتم لي ـ بـ(أدب المصاطب) فدائما ما تجد منشيتات في تلك الصفحات تقول (لا يادكتور فلان) او (عتاب على الكاتبة الفلانية) او (ما ذكره الأخ فلان لا صحة له) واذا كنا نؤمن بأن حق الرد او التعليق مكفول إلا اننا بالغنا في هذا الجانب مما يوحي ان هناك شيئا من الفقر الفكري ونضوبا في انهار الإبداع الثقافي والفني لدينا وهو انطباع ربما يستشعره المتابع لتلك الوسيلة الساحرة الناظر في موضوعاتها وما يتم طرحها من آراء على صفحاتها.
اذا انتقلنا الى الوسيلة الإعلامية المسموعة وهي المذياع فتأثيره مباشر على متلقيه لا ريب, فقد تكون سائقا سيارتك او منهمكا في اعمالك بمكتبك او في وقت استجمام أثناء رحلة او حتى في منزلك فلن يصاحبك في هذه الأوقات غير صوت المذياع, وقد تشعر باحباط يمتد الى بقية النهار اذا أدرت زراره صباحا لتسمع عن مقتل وجرح أبرياء او عن انتشار وبا او غيره وقد تتقزز ظهرا وقبل تناول الغداء عندما تسمع أعلانا لمبيد صراصير او تثار حميتك ليلا فيتنغص نومك عندما تسمع أغنية تافهة تسيء الى قيمك ومبادئك او اعلانا اباحيا ربما حسبت أنه عن غانية لا عن سلعة. أما المواقع الرسمية على شبكة الانترنت فهي مواقع غير تفاعلية ولا تسمح بالرأي والرأي الآخر وتفرض نوعا من الوصاية والرقابة على مرتاديها وتتسم بالجفاء والمعلومة المجردة التي تظل كما هي دون تغيير ربما لسنوات.
كل هذا وغيره يفقد المنظومة الإعلامية الرسمية العربية والتي تسمى بالسلطة الرابعة مصداقيتها ويولد الهجر والتمرد عليها من قبل العقلية العربية التي تبحث عن إعلام يقدر ملكاتها ويخاطب ذكاءها مما حدا بالكثيرين الى اللجوء لغيرها من الوسائل الإعلامية المحاطة بعلامات استفاهم كبرى بل وتروج لها دائما دون ان تدري انه ربما كان سما في العسل, فالمحترفون من القائمين على تلك الوسائل يجيدون عمليات غسيل المخ وطمس الهويات وهدم القيم والمبادىء ومكارم الأخلاق التي يتصف بها المسلم فلا غرابة في ان يقتل المسلم أخاه المسلم او يستبيح حرمته جراء اقتناعه بما رسخ في ذهنه من أفكار ودعاوى باطلة مهدت لها تلك الوسائل الإعلامية غير الرسمية والتي تبدو وكأنها وسائل أهلية خاصة تهدف الى الربح المادي لا أكثر.. هذا ما أردت ان اقوله وأشكر للقارىء الكريم سعة صدره وتفهمه.
عيد ابراهيم