الاحتكار هو آفة من آفات الاقتصاد الحر، ولعل الدعوات الاشتراكية اخذت على الاقتصاد الرأسمالي هذه المثلبة، ونشأت على هذه الخلفية، اذ ان الاقتصاد الرأسمالي شهد بعد الثورة الصناعية نوعا ظاهرا من انواع الاستغلال مارسه جماعة من التجار اليهود، الذين احتكروا كثيرا من السلع الضرورية وتحكموا من خلالها بمصائر المستهلكين واستغلوهم استغلالا بشعا.
ومع ان مصطلح (الاحتكار) لايرد كثيرا هذه الايام بسبب توافر السلع ووجود المنافسة الحرة، الا اني قرأته في (اليوم الاقتصادي) الصادر مع عدد جريدة (اليوم) رقم 11020 ليوم الاحد 19 جمادى الاخرة 1424هـ، تحت عنوان (سياسة سابك التسويقية وراء أزمة الحديد المحلية).
وقد جاء في سياق الخبر ان الوكلاء الحصريين لشركة (حديد)، وهم لايتعدون 20 وكيلا، استطاعو ان يخزنوا الحديد من مقاس 8 و10 ملم في مخازنهم لافتعال ازمة في السوق مستغلين عدم السماح بالاستيراد وكذلك العقود الحصرية، التي وقعوها مع (سابك) كوكلاء حصريين لتوزيع منتجات الحديد، وقد أدى ذلك الى خسائر فادحة للمقاولين وتعطيل الكثير من المشاريع حسبما ورد في الخبر.
وانا اود ان اتوقف هنا عند مفهوم الحماية الجمركية للمنتجات الوطنية، التي من ضمنها عدم السماح بالاستيراد للسلع، التي تنتج محليا، فأقول: ان مفهوم الحماية الجمركية يجب ان يكون حافزا للانتاج ودعما للصناعة الوطنية وحماية لها من منافسة الصناعة الاجنبية، او السلع المستوردة. ولكن ذلك يجب ان يرتبط بدراسة دقيقة لحاجة السوق المحلية، ومدى استعداد الصناعة الوطنية لتزويد السوق المحلية بحاجتها لسلعة ما. هذا من جانب، ومن جانب آخر فان الرقابة من قبل الجهات المختصة امر لازم هنا وذلك لمنع الاستغلال وتجنب الاحتكار والمضاربة غير المشروعة بالسلعة المطلوبة.
ومع ان (سابك) بشركاتها المختلفة هي رائدة الصناعة الوطنية للسلع الانتاجية، ومنها الحديد، الا ان الحماية هنا يجب ان تكون في حدود معينة توازن بين حاجات المستهلكين وبين دعم الصناعة الوطنية، ثم ان (سابك) هي الاخرى مسؤولة مسؤولية مباشرة عن سياستها التسويقية وعن قيام وكلائها الحصريين بـ(الاحتكار) الذي رفع سعر طن الحديد بأعلى من ثمنه الطبيعي بنحو (500 ريال)، بحسب ما ورد في الخبر.
ان السوق الحرة لاتعني بالضرورة الاستغلال والتحكم بمصائر البشر، بل هي مبنية على منافسة شريفة واسلوب تسويقي يفتح امام الزبون باب الاختيارات، ومبدأ الجودة والسعر المناسب.
وانا هنا احمل الجهات الرقابية في وزارة التجارة والصناعة مسؤولية ما يحدث، لأنها الجهة، التي اقرت الحماية، ومنعت الاستيراد. وهي ان تركت (الحبل على الغارب) في مثل هذه الامور فان الزمام سيفلت من يديها، ويجد المواطن نفسه يواجه مجموعة من التجار الجشعين، الذين يستغلون حاجات الناس دون وازع من دين او خلق. واذا كان (الاحتكار) قد بدأ بالحديد وهو سلعة انتاجية، فلا نستبعد ان يمتد بعد حين الى سلع استهلاكية ضرورية، لاغنى للمواطن والمقيم عنها، وبذلك نعود الى دوامة لاتنتهي.
اننا ـ بحمد الله ـ نعيش في بلد اختار السياسة الاقتصادية المتوازنة، التي توفر للمستهلك حاجته وتوفر للتاجر قدرا معينا من الربح يدفعه للاستمرار في تجارته ويدفعه الى تنميتها وتطويرها. وان سياسة (الاقتصاد الحر) التي اختارتها المملكة نهجا لها منذ قيام هذا الكيان الشامخ، لاترضى بأي حال من الأحوال ترجيح طرف على حساب الطرف الاخر، فالمستهلك والتاجر كفتان متوازنتان في السياسة الاقتصادية للمملكة.
واختتم ـ هنا ـ بالقول ان ديننا الاسلامي الحنيف، الذي تسير بلدنا على هداه وتنهج نهجه القويم، قد رفض مبدأ الاستغلال وحذر من استغلال حاجة الناس، (فلا ضرر ولا ضرار) هو المبدأ، الذي يجب ان يسود، حتى بعيدا عن رقابة احد من البشر، فالله ـ جلا وعلا ـ وهو خير رقيب.