يتميز المسلم عن غيره بما منحه الله عز وجل من آداب يحافظ عليها، وحقوق يقوم بأدائها.. والتي ينتج عنها الألفة والمحبة والتعاون بين أفراد المجتمع وفي الاسلام للجيران حقوقهم حتى ان نبينا صلى الله عليه وسلم قال: (مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه). وقال عليه الصلاة والسلام: (وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا). وقال عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره).
ونحن بصدد الحديث عن الجيران وحقوقهم في الاسلام ـ خاصة ان الجفاء بين الجيران في زماننا أصبح سمة المجتمع بدلا من القرب والتحابب فيما بينهم ـ نحاور في هذا اللقاء فضيلة الدكتور عبدالله الطيار أستاذ الفقه الاسلامي بجامعة الإمام بفرع القصيم حيث بدأ حديثه بأنواع الجيران فقال الجيران ثلاثة:
الأول: جار غير مسلم فهذا له حق الجوار فقط.
الثاني: أن يكون جارا مسلما فهذا له حق الجوار وحق الاخوة في الله.
الثالث: الجار المسلم القريب فهذا له حق الجوار والاخوة في الاسلام وحق الصلة فليراع ذلك.
حقوق الجار على الجار
أوضح فضيلة الشيخ الطيار حقوق الجار في الاسلام فقال:
1ـ اذا استعانك أعنته:
عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل)؛ فخير الناس أنفعهم للناس وخير الناس من كان في عون الناس لأن الناس لا يستغني بعضهم عن بعض كما قال أحدهم:
الناس للناس من بدو وحاضرة
بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
يقول علقمة بن لبيد يوصي ولده: (يا بني إن احتجت إلى صحبة الرجال فاصحب: من ان صحبته زانك، وإن أصابتك خصاصة أعانك، وإن قلت سدد قولك، وإن صلت قوى صولتك، وان بدت منك ثلمة سدها، وان رأى منك حسنة عدها، وإن سألته أعطاك، وإن نزلت بك احدى المهمات واساك، من لا تأتيك منه البوائق، ولاتختلف عليك منه الطرائق).
وأشار الطيار إلى أنه لاسيما اذا كان هذا الصديق جارا وفيا يعرف حقوق جاره عليه، فإنه لاشك سيكون نعم الجار وينطبق عليه كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في سلوك الجار مع الجار وهو يقول: إن الجار يغفر لجاره زلته، ويرحم عبرته ويستر عورته، ويقيل عثرته، ويلتمس عذره، ويرد غيبته، ويديم صحبته، ويحفظ خلته، ويرعى ذمته، ويعود مرضته، ويشهد جنازته، ويجيب دعوته، ويقبل هديته، ويكافىء صلته، ويشكر نعمته، ويحسن نصرته، ويحفظ حرمته، ويقضي حاجته، ويقبل شفاعته، ولا يخيب طلبته، ويشمت عطسته، ويرشد ضالته، ويرد سلامه، ويستحسن كلامه، ويبر أقسامه، ويصدق أحلامه، وينصره ظالما؛ برده عن ظلمه، ومظلوما بإعانته على أخذ حقه، ويواليه ولا يعاديه، ولا يخذله، ولا يشتمه،ويحب له الخير كما يحب لنفسه، ويكره له من الشر ما يكره لنفسه.
2ـ إذا استقرضك أقرضته:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبا: الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر، فقلت لجبريل: ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة).
والقرض الحسن أخي المسلم هو الذي لا يكون فيه من ولا أذى وبعيدا عن شبهة الحرام كالربا وغيره، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس)، وعنه أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبواالموبقات السبع، قالوا: يا رسول الله ، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا...) الحديث.
وقد قيل: إن أبا حنيفة رحمه الله كان لا يجلس في ظل دار جاره الذي أقرضه مالا؛ لأنه يعتبر هذا من الربا حسب القاعدة عنده ـ كل قرض جر نفعا فهو ربا ـ ولذا على المسلم التقي النقي إذا أقرض انسانا مبلغا من المال فلا يدخل بيته كثيرا بصورة لم يكن معتادا عليها لكي يأكل أو يشرب أو غير ذلك.
3ـ إذا افتقر عدت عليه:
وعلق فضيلة الدكتور عبدالله بقوله: أي أحسنت إليه وتعاونت معه تأكيدا للمعنى الكبير الذي يشير إليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله عز وجل خلقاخلقهم لحوائج الناس: يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله).
ومن أجل ذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضلاء عليهم رضوان الله أجمعين يتسابقون ويتنافسون في فعل الخير والتعاون والتراحم لأنهم يعلمون أن الجائزة جنة عرضها السماوات والأرض فهذا عمر بن الخطاب يستعمل رجلا على حمص يقال له: عمير بن سعد، فلما مضت السنة كتب اليه أن أقدم علينا، فلم يشعر عمر إلا وقدم عمير ماشيا حافيا، عكازته بيده، واداوته ومزوده وقصعته على ظهره، فلما نظر عمر إليه قال: يا عمير، أجبتنا أم البلاد بلاد سوء؟ فقال يا أمير المؤمنين: أما نهاك الله أن تجهر بالسوء؟ وتنأى عن سوء الظن؟ وقد جئت إليك بالدنيا أجرها بقرابها، فقال له: وما معك من الدنيا؟ فقال: عكازة أتوكأ عليها وأدفع بها عدوا إن لقيته، ومزودا أحمل فيه طعامي، واداوة أحمل فيها ماء لشربي وطهوري، وقصعة أتوضأ فيها، وأغسل فيها رأسي، وآكل فيها طعامي، فوالله يا أمير المؤمنين، ما الدنيا بعد إلا تبع لما معي.
فقام عمر فبكى بكاء شديدا ثم قال: اللهم ألحقني بصاحبي غير مفتضح ولا مبدل، ثم عاد الى مجلسه فقال: ما صنعت في عملك يا عمير؟ قال: أخذت الإبل من أهل الإبل، والجزية من أهل الذمة عن يد وهم صاغرون، ثم قسمتها بين الفقراء والمساكين وأبناء السبيل فوالله يا أمير المؤمنين لو بقي عندي منها شيء لأتيتك به، فقال عمر: عد إلى عملك يا عمير، فقال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تردني إلى أهلي، فأذن له، فأتى أهله.
فبعث عمر رجلا يقال له حبيب بمائة دينار وقال: اختبر لي عميرا، وانزل عليه ثلاثة أيام حتى ترى حاله هل هو في سعة أو ضيق؟ فإن كان في ضيق فادفع إليه الدنانير، فأتاه حبيب فنزل به ثلاثا، فلم ير له عيشا إلا الشعير والزيت فلما مضت الايام الثلاثة، قال عمير: يا حبيب إن أردت أن تتحول إلى جيراننا فافعل لعلهم يكونون أوسع عيشا منا فإنا والله لو كان عندنا غير هذا لآثرناك، فدفع إليه حبيب الدنانير وقال له: قد بعث بها أمير المؤمنين إليك فدعا بفرو خلق لامرأته فجعل يصر منها الدنانير الخمسة والستة والسبعة ويبعث بها الى اخوانه من الفقراء إلى أن أنفدها.
فقدم حبيب على عمر، وقال: جئتك يا أمير المؤمنين من عند أزهد الناس، وما عنده قليل ولا كثير، فأمر له عمر بوسقين من طعام وثوبين فقال: يا أمير المؤمنين: أما الثوبان فأقبلهما، وأما الوسقان فلا حاجة لي بهما، عند أهلي صاع من بر هوكافيهم حتى أرجع إليهم.
هكذا أخي المسلم يجب أن يكون الجار مع الجار.
4ـ إذا مرض عدته:
ومن حقوق الجار عيادته في مرضه عن علي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مامن مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف في الجنة).
وإن زيارة المرضى تقرب الناس من بعضهم البعض وترفع معنويات المريض وتجعل بينهم صلات قوية ليس هذا فحسب بل هي موعظة بليغة للزائر انه يرى أن الإنسان مهما تكبر وتعنت فيمكن لقليل من المرض أن يرقد في السرير ومن ثم يبتعد عن المعاصي حتى لا يناله انتقام الجبار المتكبر الذي ربما يبتليه بمرض يودي بحياته.
ومن السنة أن يقول الزائر للمريض: لا بأس عليك طهور إن شاء الله، شفاك الله وعافاك، وأن يطمعه في الحياة وقرب الشفاء، إلى غير ذلك من الكلمات الطيبة التي يكون لها أثر عظيم في نفس المريض.
5ـ إذا أصابه خير هنأه:
أضاف الشيخ الطيار أن من حقوق الجار على جاره أن يظهر الفرحة بخير أصاب جاره حتى يشعر بحبه له وسعادته بما هو سعيد به؛ فإذا رأيت جارك أو صاحبك قد لبس ثوبا جديدا فقل له قولة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عمر قميصا أبيض فقال: (ثوبك هذا غسيل أم جديد: قال: لا، بل غسيل، قال: البس جديدا وعش حميدا ومت شهيدا).
ـ وإذا قدم جارك من سفر فقل له: (الحمد لله الذي سلمك، أو الحمد الله الذي جمع الشمل بك).
وإذا أراد الزواج فقل له بعد عقد النكاح (بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في الخير). وإذا رزق مولودا فيستحب أن يهنأ بقول: (بارك الله لك في الموهوب لك وشكرت الواهب، وبلغ أشده، ورزقت بره) ويستحب أن يرد عليك المهنأ فيقول لك: (بارك الله لك، وبارك عليك وجزاك الله خيرا، ورزقك الله مثله، أو أجزل الله ثوابك).
6ـ إذا أصابته مصيبة عزيته:
أيها الأخ المسلم: اعلم أن التعزية فيها كثير من التعاطف والتحاب والتعاون على البر والتقوى والحمل على الصبر والرضا بالقضاء والقدر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحث على الرجوع إلى الله تعالى، وفيها تسلية المصاب والتخفيف عنه لتقل عليه المصيبة شيئا ما، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عزى مصابا فله مثل أجره).
على أن يكون لفظ التعزية لفظا شرعيا كما ورد في السنة، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: (أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه أن ابنا لي قبض فأتنا فأرسل يقرىء السلام ويقول: إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب...).
7ـ إذا مات اتبعت جنازته:
لأن ذلك من حقوق المسلم على المسلم وهي الى الجار أقرب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى على جنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى يقضى دفنها فله قيراطان أحدهما أو أصغرهما مثل أحد).
فلتعتبر نفسك مسؤولا عن اسرة جارك منذ لحظة وفاته وافعل معهم حسبما يقتضي الشرع الحكيم من قرآن وسنة ما كنت تتمنى أن يفعله جارك مع أهلك وأولادك لو كنت أنت الميت ملتزما بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في كل أفعالك متورعا عن الحرام مهما صغر.
8ـ لا تستطل عليه بالبنيان فتحجب عنه الريح إلا بإذنه:
وفي هذا الحق يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هناك احترام متبادل بين الجيران بحيث يحافظ كل منهما على مصلحة الآخر، وبحيث لا يكون سببا في منع الخير عنه، أو منع الهواء عنه، فإذا أراد الجار أن يبني جدارا يفصل بينه وبين جاره لابد وأن يلاحظ عدم استطالة هذا الجدار حتى لا يحجب الهواء عن جاره، وإذا رأى ضرورة لذلك فيجب أن يستأذنه أولا ويستمع إلى رأي جاره حتى لا يحدث ضرر ولا ضرار وحتى لا يكون هناك تعد على مصلحة هذا الجار الملاصق.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).
9ـ ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها:
فعلى المسلم تجاه هذا الحق أن يكون سخيا لاسيما بالنسبة لجاره الفقير الذي يؤلمه ويؤلم أولاده مطالبتهم إياه بأن يحضر لهم لحما وهولا يستطيع فهذا واجب عليك حتى لا تكون سببا في تورطه مع أولاده وحتى تكون من المؤمنين الذين قال الله فيهم: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع).
10ـ وإن اشتريت فاكهة فأهد له:
فإن لم تفعل فأدخلها سرا ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده، فخروج أولادك بالفاكهة ليغيظوا بها أولاده يحزنه ويغضبه لأنه عاجز عن شراء مثلها ليرضي أولاده، فلاحظ هذا أخي المسلم حتى لا تقع الضغينة بينك وبين جارك. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة يقول: يا رب هذا أغلق بابه دوني فمنع معروفه). وفي الختام أوصى الطيار المسلمين بالالتزام بهذه الحقوق فقال: عليك أخي المسلم أن تؤدي هذه الحقوق مع غيرها من الحقوق الأخرى التي أشار إليها الإمام الغزالي رحمه الله بقوله: (وجملة حق الجار أن يبدأه بالسلام، ولا يطيل معه الكلام، ولا يكثر عن حاله السؤال، ويعوده في المرض، ويعزيه في المصيبة، ويقوم معه في العزاء، ويهنئه في الفرح، ويظهر الشركة في السرور معه، ويصفح عن زلاته، ولايتطلع من السطح إلى عوراته، ولايضايقه في وضع الجذع على جداره، ولا في مصب الماء في ميزابه، ولا في مطرح التراب في فنائه، ولا يضيق طريقه إلى الدار، ولا يتبعه النظر فيما يحمله إلى داره، ويستر ما ينكشف له من عوراته، وينعشه في صرعته إذا نابته نائبة، ولا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته، ولا يسمع عليه كلاما، ويغض بصره عن حرمته، ولا يديم النظر الى خادمته، ويتلطف بولده في كلمته، ويرشده الى ما يجهله من أمر دينه ودنياه..).