قرأنا مؤخرا أن أمام وزارة التعليم العالي خمسين طلبا لإنشاء كليات أهلية. ولا ندري كم طلبا أمام أقسام التعليم الأهلي بوزارة المعارف لافتتاح مدارس خاصة لمراحل التعليم الأساسية الثلاث. المهم أن ثمة الحاحا استثماريا في هذا المجال القديم الجديد وكمية الطلبات المقدمة دليل على هذه الرغبة الاستثمارية العالية، فالعائد المأمول والمرتجى يغري أكثر من جهة وأكثر من شريك على الدخول في حمى استقطاب آلاف الطلاب الساعين الى نوعية خاصة من التعليم وأجواء تيسير العملية التعليمية (وملعب وصالة ومسرح وماء بارد ومكيفات ليست ديكورا)..
الإقبال على الاستثمار في التعليم الأهلي قد لا يكون رغبة من طرف واحد. فوزارة المعارف التي يكلفها المقعد الدراسي مبلغا متقدما من الألوف سنويا، فيما نحسب، تجد أنه من الملائم أن تجد من يشاركها في هذه المسئولية وتتخفف من بعض حمل ثقيل بمقابل إعانة سنوية تدفعها للمدرسة الأهلية تدور في فلك الأربعمائة ريال لكل طالب. والفرق الهائل لا يحتاج الى جلاء سر حتى تشجع الوزارة فتح المدارس الخاصة زرافات ووحدانا.. يقال أن هناك ضوابط ومعايير لكن للناظر في بعض المدارس الخاصة أن يعرف كم هو العيار (مفلوت) وحبل الطالب على غاربه باعتبار أنه يدرس بفلوسه، ومن جيب والده المحترم يقيم صرح المدرسة العامر؛ ليصبح طاقم التدريس في هكذا مدارس مجرد ضيوف شرف يلتزمون الحائط التربوي جدا ويستظلون بإشعاع توجيهات المالك الداعية الى غض الطرف، (وتمشية الأمور على ما سهل الله) حتى بات مثل هذه المدارس "مقلبا" تجتمع فيه المتردية والنطيحة وما لفظه التعليم العام من يابس التمرات التي راوحت مكانها لسنوات وسنوات؛ فاستهدى الأهل بالله ووجدوا الحل المريح والباب الى شهادة النجاح المضمونة وبدرجات متقدمة، "يفحط" طلبة التعليم العام وتنشق صدورهم لهاثا؛ فيعجزون عن اللحاق بكوكب الدرجات المغرقة في السخاء والكرم التي توصل بعض الطلاب ـ ممن لا يعرفون القراءة ولا احسان معرفة حروف الهجاء ويغوصون الى أذقانهم في جدول الضرب ـ من الصف الثالث ابتدائي الى الثالث متوسط بنفس المستوى من النجاح والدرجات المتقدمة وبنفس الجهل نفسه؛ ويرزق من يشاء بغير حساب.. وفوق كل ذي علم عليم.. ووفق هذا المستوى البائس في بعض المدارس الأهلية (وعذرا من تكرار كلمة بعض الاحترازية ومفتاح الأمان للحديث!!) تنطبق مخرجاتها على مدخلاتها: جاء الطالب متعثرا. وخرج متعثرا. وكفى الله المدارس الخاصة شر التعليم وأهله.. ولا نريد أن نكون سوداويين تماما. فحديثنا لاينفي أن ثمة مدارس أهلية (وهي القليلة النادرة والتي ندعو الى تكثيرها) تقوم بدورها على أتم وجه وأكمله. وهناك تنافس لنيل القبول والاندراج في صفوفها؛ لأنها أثبتت مصداقية وحضورا إن على مستوى الطلاب وما تقدمه اليهم من أساليب علمية وطرق تربوية حديثة أو على مستوى الدور الاجتماعي الذي تنهض به خارج أسوارها على نحو يدعو للإعجاب والتمثل من الآخرين.. ومع هذا فإن أحوال المدارس الأهلية تحتاج الى وقفة مديدة متبصرة تطالع المستقبل بانشغال أكثر من هموم اللحظة الآنية وظروفها المادية الضاغطة.. الأجيال أمانة، يتساهل "كثيرون من البعض!!" في تعهدها؛ فينبغي ألا يستمروا في هذا العبث. أقول هذا و بذات الوجل أنظر الى طلبات الخمسين كلية التي تنتظر الرد أمام التعليم العالي. ويا رب لطفك، واستر..