هناك في الساحة الفكرية الواسعة في هذه الأيام من يفرق بين الحضارة وبين الثقافة، معتبرا أن الحضارة كل واحد. أما الثقافة فهي متعددة بتعدد المجتمعات البشرية.
إن الحضارة وليدة العلم والتكنولوجيا. والعلم والتكنولوجيا لهما معايير لا تتغير أو تتبدل بتبدل المجتمعات، فقوانين الفيزياء هي هي في أي مكان من الأرض أما المعتقدات ـ مثلا ـ التي تدخل تحت مظلة الثقافة فهي تختلف من مجتمع إلى آخر.
إن هذا التفريق بعيد جدا عن مفهوم الحضارة ومفهوم الثقافة، ذلك لأنهما مفهومان متداخلان، بل إن الحضارة بكل قوانينها ما هي إلا وليدة ثقافة المجتمع وتطور هذه الثقافة.
كيف نستطيع فصل الحضارة العربية الاسلامية أو الحضارة اليونانية أو الحضارة الفرعونية القديمة أو الحضارة الصينية عن النمو الثقافي الذي كان في هذه البقاع المتباعدة من العالم؟
نعم. هناك فارق واحد يميز الحضارة الآن عن الحضارات السابقة، وهو لا يعود إلى كونها تختلف عن الثقافة، بل إلى أنها حضارة شاملة عمت وتعم الكون كله بدرجات نسبية. كما هي ثقافتها. أما الحضارات السابقة فلم يتهيأ لها من سبل الانتشار إلا الشيء القليل.
أليس كذلك؟