يلتقي الوزراء والمسئولون عن الثقافة بدول الخليج العربية بين فترة وأخرى، وأمامهم العديد من الملفات الهامة حول الثقافة العربية بدول الخليج العربية، والتحديات التي فرضتها الظروف الاقتصادية والسياسية والتاريخية لتحدد مسار هذه الثقافة، متأثرة بالثقافات الوافدة التي تبلور تلك التحديات بشكلها الواضح والمباشر. والنظر في هذه التحديات بعين الفاحص الواعي لايلغي مشروع وخطة التنمية الثقافية في دول الخليج العربية، بل إن أي تنمية ثقافية ليست سوى تحد آخر تقف دونه عقبات لابد من تخطيها، وهي عقبات يمكن أن تتلاشى أمام العطاءات الزاخرة التي يقدمها أبناء المنطقة في المجال الثقافي على المستويين الرسمي وغير الرسمي، وإن كان الدعم الرسمي للمؤسسات الثقافية الأهلية لا يزال محدودا في بعض دول الخليج العربية، رغم ما قد تصرفه على ما يسمى بالمهرجانات الثقافية التي قد تخدم بعض المتنفذين في المؤسسة الرسمية أكثر مما تخدم الثقافة نفسها، وهذا تحد آخر تواجهه الثقافة العربية في الخليج، وأعني أن يتولى أمر هذه الثقافة من هم أكثر بعدا من همومها وأهدافها، وأقل وعيا بمسؤولياتها التنويرية، فتتحول الثقافة في هذه الحالة من أداء لتفجير الوعي، إلى وسيلة لتحقيق بعض الطموحات الشخصية، التي ستؤدي حتما إلى تبديد المخصصات المالية الضخمة، وتهميش دور المبدعين الحقيقيين، وتسطيح المنجز الثقافي، دون إدراك لخطورة هذه السلبيات على واقع ومستقبل الثقافة. ولابد من الإشارة هنا إلى أن الثقافة العربية في دول الخليج لاشك أنها شبت عن الطوق، واستطاعت في مجالاتها المختلفة أن تساهم في دعم الحركة الثقافية العربية، وأن تجد لها أكثر من موطىء قدم بين الفعاليات الثقافية في الوطن العربي، وقد حققت نجاحات ملحوظة في المناسبات الثقافية العربية المختلفة، ولم يتحقق ذلك من فراغ بل جاء نتيجة حتمية لحرص المسؤولين وحرص المثقفين في دول الخليج العربية على تحقيق المزيد من النجاحات الثقافية، التي تتناسب مع طموحات أولئك المسؤولين والمثقفين، خاصة وأن الإرث الحضاري لمنطقة الخليج زاخر بالمعطيات الثقافية التي تبرز جوانب حيوية من النشاطات الإنسانية لأبناء المنطقة، وتحافظ في الوقت نفسه على الهوية العربية الإسلامية مع التعامل مع الثقافات الأخرى دون حساسية، لأن هذا التعامل تحكمه دوافع الحرص على الانتماء للأصالة العربية التي تنتسب لها الثقافة في هذه المنطقة من عالمنا العربي الكبير، والإشارة إلى الثقافات الأخرى لاتعني الإنغلاق على الذات، ورفض الآخر، لكنها تعني التيقظ والاختيار الأفضل لما يقدمه ذلك الآخر، دون انبهار أو شعور بالنقص، وليس من الثقافة في شيء تبديد الأموال على استضافة فنان أجنبي يحيي ليلة غنائية أو أكثر، في مهرجان ثقافي يفترض أن يهتم بالثقافة الوطنية وبالمثقفين والمبدعين الذي وجد من أجلهم.
وترتكز الثقافة الخليجية - إن صحت التسمية والأولى أن نقول الثقافة العربية في الخليج - أقول أن هذه الثقافة ترتكز على أسس قوية من القيم الجمالية المتعددة الاتجاهات، لا تنحصر في جانب دون غيره، ومع احتفائها بالموروث الشعبي بما في ذلك فنون البحر، وأغاريد الصحراء المتمثلة في الشعر الشعبي أو النبطي او العامي - سمه ما شئت - إلا أن هذه الحفاوة لا تعني مصادرة الفنون الأدبية الأخرى، كالشعر الفصيح أو القصة أو الرواية أو النقد، وهي الوجوه الحقيقية للأدب النابض بحيوية الإبداع، والقادر على تجاوز الحدود إلى الآفاق العربية الواسعة، بل الآفاق العالمية الأكثر اتساعا، مع احتفاظ الموروث الشعبي بسماته المحلية المحكومة بإقليمية تستعصي على الفهم بالنسبة للكثيرين خارج بيئته المحلية. الثقافة العربية في الخليج تواجه دون شك تحديات شرسة، وفي لقاءات المسؤولين عن الثقافة في الخليج، ما يبعث على الأمل في وضع استراتيجية تحقق التنمية الثقافية المنشودة، والتي لا تخضع للاجتهاد الشخصي الذي قد يغيب المثقفين الحقيقيين، ويترك الأبواب مشرعة أمام العابثين بمقدرات الثقافة في خليجنا الأغر.