كسر الرئيس الأمريكي جورج بوش امس جمود الترقب والانتظار الطويلين اللذين سبقا خطابه (خطاب الأمة) . وفي الوقت الذي تطلع فيه المراقبون والخبراء أمس لان يأتي الخطاب باستراتيجية تكون اكثر واقعية نحو التقدم في استقرار العراق وأفغانستان والصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، فضلا عن التماس السياسة العامة لحملته الانتخابية على المستوى الداخلي في ظل التنديد بسياساته داخليا واقتراب فترة الحمى الحقيقية للانتخابات. اعتمد الخطاب في مجمله على العراق وأفغانستان فقط.
وحاول بوش خلال خطابه للامة ان يدافع عن سياسة إدارته بشأن الحرب على الإرهاب بصفة عامة والوضع العراقي خاصة.
وحينما قال بوش: إن العراق يشكل الآن الجبهة الرئيسة والمحورية في الحرب العالمية على الارهاب فان ذلك الأمر يأخذ أبعادا سياسية وعسكرية كبيرا ، ويلقي أضواء كاشفة على الأخطار التي تحدق وتتربص بالعالم والمنطقة العربية بصفة خاصة من أخطار الإرهاب. مما يعني التعامل مع ذلك النداء بحيطة اكبر وحذر شديد.
وجاء خطاب بوش في الوقت الذي تكال اليه فيه انتقادات عنيفة داخل الولايات المتحدة وسط مشاعر قلق داخلي متزايد من استمرار تواتر الأنباء عن مقتل جنود أمريكيين في هجمات العراق عقب الإطاحة بنظام صدام حسين. الامر الذي جعل بوش يكلف وزير خارجيته كولن باول بإعداد مشروع يطالب فيه بزيادة عدد جنود حفظ الامن في العراق شريطة ان تدعم القوات الأمريكية وتكون تحت أمرتها.
وقال بوش : أعداء الحرية يوجدون وضعا يائسا هناك ولابد من إلحاق الهزيمة بهم. سوف يستغرق الامر وقتا وهو يستحق التضحية.
وفي الخطاب الذي جاء قبل أيام قليلة من الذكرى الثانية لهجمات 11 سبتمبر تعهد الرئيس الامريكي بأن تبذل بلاده كل ما هو ضروري لاعادة إعمار العراق.
وقال : سنقوم بكل ما هو ضروري وسننفق كل ما هو ضروري لتحقيق النصر الكبير في الحرب على الارهاب وإحلال الحرية ولنجعل أمتنا أكثر أمنا.
وقال مراقبون إن خطاب بوش يأتي وسط مشاعر متنامية في نفوس الامريكيين الذين يرون أنه فشل في رسم أو توضيح خطة قابلة للتنفيذ لعراق ما بعد الحرب.
ولعل بوش الذي اجمل استراتيجيته تجاه العراق في القضاء على الإرهابيين والحصول على دعم دول اخرى (29 دولة) لاقامة عراق حر يتحمل مسؤولياته بنفسه اراد ان يؤكد شبة انصياعة للشرعية الدولية المتمثلة في الامم المتحدة وذلك من خلال اصدار قرار اممي صريح يفك عقدة كثير من الدول التي اشترطت لارسال قواتها للعراق تفويضا من المنظمة الدولية، او ربما الضغوطات التي ظلت تواجهها ادارة بوش على المستوى الداخلي لاسيما بعد الهجوم المتواصل الذي ظل يخلف في متوسطة اليوم قتيل او مصاب.
واذا كان بوش تعهد باعمار العراق وافغانستان وتحقيق اكبر قدر من الاستقرار والديمقراطية فيهما وذلك من خلال طلبة مبلغ 87 مليار دولار من الكونجرس ، فإنه في نفس الوقت تجاهل في خطابه أمس تطورات الاحداث المتلاحقة والمتطورة في فلسطين لاسيما بعد تصاعد الاعمال الوحشية الاسرائيلية الغادرة والاستهداف الصريح لقادة حركة المقاومة الاسلامية (حماس) على الصعيد الميداني ، ثم الانهيار الكبير لخطة (خارطة الطريق) من خلال الاستقالة التي تقدم بها رئيس الوزراء محمود عباس (ابومازن) الشريك الامريكي في تنفيذ الخارطة الى جانب اسرائيل والاتحاد الاوربي والامم المتحدة.